البعد «العربي» في نظام موجابي
د. عمر عبدالعزيز
ما حدث مؤخراً في زيمبابوي يحتمل تفسيرين متناقضين ظاهراً، ومتحدين جوهرياً، فالمشهد الانقلابي بدا في ظاهره حكيماً لجهة عدم اللجوء للقوة العسكرية المنفلتة من عقال الانضباط، وكذا طريقة محاصرة الرئيس العتيد موجابي الذي أصبح مع تقادم الأيام نموذجاً فولكلورياً لدكتاتوريي إفريقيا الشبيهة بالعالم العربي، باعتبار أن أمريكا اللاتينية وآسيا الكبرى قد انعتقتا منذ أمد بعيد من هذه المحنة المقرونة بالاستدامة في السلطة، والعمل الدؤوب على توريثها للعوائل والأقربين، وممازجة الأنظمة الجمهورية ظاهراً بحاكميات سلاطينية خارج نطاق الموروث التقليدي للبنى السلاطينية، وهو أمر تكرر في بلدان عربية أبرزها: مصر على عهد حسني مبارك، واليمن على عهد علي عبدالله صالح، وليبيا على عهد القذافي، وقبل ذلك في سوريا بعيد رحيل حافظ الأسد. فهذه الزعامات العربية كانت تخطط عمليا لتوريث الزعامة لأبنائها، وترتيب عناصر القوة في السلطة للأقربين ومن يتتبع خطاها، متناسية الدساتير الجمهورية التي جاءت عطفاً على انقلابات عسكرية مشهودة ضد الحاكميات التاريخية الموروثة.
ما حدث في زيمبابوي لا يختلف من حيث الجوهر عن تلك البروفات العربية التي خبت، وتلاشت عملياً بانتفاضات وانقلابات عاصفة، لأنها كانت تغرد خارج السرب الجمهوري المزعوم.
يتلخص التفسير الثاني في كون الصورة لا تكتمل بمجرد إدانة الرئيس المستقيل، حيث أجمع المراقبون العليمون بشأن ذلك البلد الإفريقي الغني والمنهوب إلى أن موجابي المسن الذي أجبر على الاستقالة، وتولى نائبه منصب الرئاسة، كان عملياً تحت سطوة زوجته الغارقة في مفاسد السلطة والمال، وكانت تلك نقطة ضعفه الأكبر، حتى إن البعض يزعمون أنها هي من قوضت نظامه.. كما حدث قبل ذلك في رومانيا عندما سلم الرئيس الروماني المقتول نيكولاي تشاوشيسكو مقاليد الحكم لزوجته إيلينا، وكانت النتيجة وقوعها في الفخ القاتل الذي نصب لها، عندما أمرت بإطلاق النار على المتظاهرين في مدينة تيمشوارا، بحسب إفادات الانقلابيين من الحزبيين والعسكريين.
كان من الطبيعي أن تصل الأمور في زيمبابوي إلى نهاياتها المحتومة بإسقاط الرئيس موجابي، لكن النظام لم، ولن يتغير من حيث الجوهر، فالقيادة العسكرية هي جزء من النظام الذي يقوده حزب «زانو» الحاكم، بالتالي لا يمكن لأي رئيس أن يتخطى عتبة الولاء والطاعة للحزب والعسكر.
تجارب كثيرة في العالم الكبير تؤكد مثل هذا السيناريو، وترينا أن مفاسد نظام العجوز موجابي ليست مرشحة للتوقف، بل العكس تماماً، وأن الصراع المكتوم بين زوجة موجابي والرئيس الجديد قد يتحول إلى صراع على المصالح غير المشروعة، فحسب.
ويعلمنا التاريخ أن الأنظمة لا تتغير نحو التطور والنماء بالانقلابات، حتى وإن بدت تلك الانقلابات بيضاء.. ناعمة ورصينة، بل بمخاضات تاريخية لا تخلو من العنف والتضحيات، وتلك واحدة من أوجه الدهاء، والمكر الموضوعي لتواريخ البشرية المعذبة.
omaraziz105@gmail.com