البوصلة و «البوصة لا»
عبد اللطيف الزبيدي
هل يدرك النظام العربيّ أخطار المأزق التاريخيّ الذي وصل إليه؟ لا بدّ من المصارحة. غريب أن تكون المنظومة المتفرقة التي تمسك بمقاليد العرب، لا مبالية بالمصير، بينما الآفاق في اصفرار إعصاري ينذر بتسونامي، والأنظمة تقول للجامعة: إن الأوضاع «تَسوء نامي».
لن يملّ إحساس الإعلام بمسؤولية التذكير بالأمانة إزاء الأمّة. أوّل الاقتناع أن النظام العربيّ لا يملك زمام الأمور في مفرق طرق غير آمنة، ولا بوصلة له في دروب المجهول. أليس هذا همّاً عامّاً وشغلاً شاغلاً؟ إذا كان أساس اطمئنان الشعوب إلى غدها، يقوم على الاستقرار والتنمية، فهل استطاعت الأنظمة تحقيقهما؟ هما مفردتان بسيطتان، ولكن كلتيهما تحتاج إلى مجلد ضخم لشرحها. الاستقرار هو نظام قويّ بشعبه، كلاهما مرآة للآخر يمثل إرادته في المصلحة العليا، لا هوّة تفصلهما، وحفظ السيادة هدفهما، في ذلك يتجسد الوطن. كل من يريد النيل من السيادة العليا، يجد جيشاً في شعب، وشعباً في جيش، والنظامَ قيادةً في الحرب والسلام. في ظل هذا الاستقرار، يتفرغ الجميع للتنمية الشاملة. لا معنى للنمو إذا افتقر إلى المناعة المكتسبة، جهاز الحصانة ضد الفيروسات الطامعة في اعتلال الجسم. ماذا أنجز النظام العربيّ على هذا الصعيد طوال قرن؟
ذلك في نطاق الدول منفردة. لقد شاءت الأقدار أن ينظر العالم، الأقوياء بخاصة، إلى العرب ككتلة واحدة، وإن اختلفت الصور شكلياً بينهم، فالميراث واحد، غير أن الفوارق التنموية والاقتصادية والموارد والمسائل الديموجرافية والجغرافيا الطبيعية وطبيعة الأنظمة السياسية وغيرها، ليست واحدة. مراكز البحوث والدراسات الأجنبيّة تنظر إليهم جماعيّاً، وتمدّ المخططات المغرضة بكل بذور الفتنة والفُرقة واختلاق الحروب الأهلية التي تقتل العباد، وتدمّر البلاد، فماذا فعلت جامعة الخطابة الإنشائية على مدى عشرات السنين وهي ترى أن المصير واحد والجهود مبعثرة؟
في هذا المنعطف الخطر، الذي لم يعد فيه شيء خافياً، من حق السيادة العربية، الشعوب، الأوطان، أو أيّ مسمّى، أن تسأل الأبواب العالية: هل لديك فكرة أو تصوّر لما سيحدث في يوم، في شهر، في سنة؟ ما هو إعدادك واستعدادك للآتي؟ أم أن على اثنين وعشرين بلداً أن تنتظر مفاجآت «المجتمع الدوليّ»، الذي بيده قلم رسم الخرائط؟ هل على 400 مليون عربيّ أن يضعوا الرؤوس على الوسائد: «دع الأيام تفعل ما تشاء»؟ أهذه هي العبقرية الاستراتيجية الناسكة الزاهدة التي ترتضيها إرادة الشعوب؟ غداً لا يسألنّ أحد: كيف ضاعت سيادة العرب؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الجناسية: النظام العربيّ يحتاج إلى بوصلة، لكن للقفزات العملاقة «البوصة لا».
abuzzabaed@gmail.com