التاريخ السياسي للألعاب الأولمبية
تأليف: جول بويكيف/ عرض وترجمة: نضال إبراهيم
منذ عام 1896 إلى دورة ريو دي جانيرو المنصرمة، كان تأثير السياسة حاضراً في الألعاب الأولمبية، رغم تصريحات رؤساء اللجنة الدولية الأولمبية بأنها لا تنفذ أجندة سياسية. يتعقب مؤلف هذا العمل، التاريخ السياسي للألعاب الأولمبية، ويوضح كيف أنها تطورت من تسلية إلى مهنة، وتوسعت من نطاق قلة إلى العالم كله، ويبين كيف أن الألعاب شكلت أساساً في استيعاب عمليات سياسية واجتماعية وثقافية طوال 120 عاماً، وبالتحديد يسلط الضوء على الامتياز الطبقي، وقمع السكان الأصليين للمدن التي تستضيف الحدث، واستراتيجية الناشطين ودور القوة الرأسمالية. ويقدم بحكم خبرته في الألعاب الأولمبية والسياسة الدولية لمحة عامة عما يحدث خلف الكواليس من ألاعيب سياسية، مستشهداً بأحداث تاريخية.
في عمله الثالث عن الألعاب الأولمبية، يحاول الكاتب جول بويكيف أن يوضح كيف أن الألعاب الأولمبية تخدم مصالح الشركات الرأسمالية، ويظهر المقاومة التي أبداها نشطاء المجتمع المدني ضد هذا الاتجاه في فانكوفر الكندية والعاصمة البريطانية لندن، مشيراً بشكل صريح إلى الفكرة الخاطئة التي تبين أن اللجنة الأولمبية الدولية غير مسيسة ولا تنفذ أجندة سياسية، وذلك من خلال دراسة التاريخ الأولمبي في إحياء هذه الألعاب في عام 1896 إلى دورة الألعاب الأولمبية المنصرمة في ريو دي جانيرو البرازيلية.
يتتبع بويكيف كيفية تضخيم دورة الألعاب الأولمبية في ريو على مدى السنوات السبع الماضية. ويذهب أبعد من ذلك، من خلال تقديم تفاصيل كثيرة حول العديد من الانتهاكات الفظيعة باسم ريو 2016.
يحتوي الكتاب الصادر حديثاً عن دار «فيرسو» البريطانية للنشر في 338 صفحة من القطع المتوسط، على تمهيد بقلم ديف زيرين، ثم مقدمة بعنوان «عملية الألعاب الأولمبية» ثم يأتي في ستة فصول هي: بيير دي كوبيرتان وإحياء الألعاب الأولمبية، بدائل للألعاب الأولمبية، ألعاب الحرب الباردة، تسويق الألعاب الأولمبية، الاحتفال بعصر الرأسمالية، أولمبياد صيف ريو 2016 والمضي في الطريق.
سياسة من خلف الكواليس
يوضح الكاتب في مقدمته أنه منذ بداية انطلاقها، تفوح رائحة السياسة والمصالح النخبوية من دورة الألعاب الأولمبية، حيث كان هناك منع للرياضيين المحترفين من المشاركة، وبقيت على مستوى عال حكراً على الطبقة الأرستقراطية، كما يشير إلى أن التحيز الجنسي كان سائداً أيضاً من الأيام الأولى، خاصة مع بيير دي كوبرتان، الفرنسي المسؤول عن إحياء الألعاب من العصور اليونانية القديمة والذي يتوقف عنده في الفصل الأول، حيث كان يرى بأن مجد المرأة«جاء من خلال عدد ونوعية أطفالها الذين أنجبتهم». كما يتطرق إلى أن العنصرية تسللت إليها في وقت مبكر من انطلاق الألعاب، وخاصة في عام 1904 بالولايات المتحدة في دورة سانت لويس للألعاب الأولمبية، حيث«أيام الأنثروبولوجيا»تضمنت إجبار«المتوحشين»على التنافس في الألعاب الرياضية من أجل«إثبات»أن الناس«المتحضرين»هم العرق المتفوق، وفي تعليقه على كوبرتان يقول الكاتب:«أحيا الأرستقراطي الفرنسي كوبرتان الألعاب الأولمبية الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر، وقد بناها على قاعدة من التناقضات. ففي الوقت الذي رفض فيه بشكل علني إدخال السياسة في الألعاب الأولمبية، فإنه كان خلف الكواليس يعبئ وسطاء القوى السياسية للمساعدة على تأسيس الألعاب وتغذيتها».
ويستشهد الكاتب بمثال يقول فيه:«عندما طرح سؤال على رئيس اللجنة الدولية الأولمبية جاك روغ حول موت أسامة بن لادن، رد: «ما حدث مع أسامة بن لادن هي مسألة سياسية، والتي لا أتمنى التعليق عليها». خلال سنوات خدمته طوال اثني عشر عاماً كرئيس للجنة الدولية الأولمبية، أكد روغ أن الألعاب الأولمبية تستطيع وينبغي أن تبقى على مسافة من السياسة، كما قال كل رئيس قبله وبعده. لكن نفورهم المفترض من السياسة كان مصحوباً دائماً بالنفاق. هناك»عدم تسييس هو في حقيقته سياسي بعمق» كما يقول الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو«. ويعلق الكاتب:»أصبحت الألعاب الأولمبية بقرة حلوب تقوم اللجنة الدولية الأولمبية وشركاؤها بحلبها كل سنتين بشكل محموم».
تصفية الحسابات السياسية
على مر التاريخ، كانت الألعاب الأولمبية موقعاً للصراع السياسي، ففي عام 1932، حينما أجريت دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، احتج السكان المحليون على تكلفة الألعاب. وعلى المستوى الدولي، دورة الألعاب الأولمبية في 1936 في العاصمة الألمانية برلين، منحت هتلر فرصة رائعة لنشر دعايته السياسة وتعزيزها في أنحاء العالم. ولقد ابتكر أول تتابع للشعلة الأولمبية كوسيلة لنشر الدعاية النازية في جنوب شرق أوروبا. تبرز الأهمية السياسية لدورة الألعاب الأولمبية أنه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان هناك العديد من المقاطعة للألعاب، وعلى الأخص ضد حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وحينها، ومع ذلك، رفضت اللجنة الأولمبية الدولية قبول السياسة في دورة الألعاب الأولمبية، إلى حد طرد اللاعبين الأمريكيين من أصل إفريقي تومي سميث وجون كارلوس من دورة الألعاب الأولمبية عام 1968 على قيامهما برفع أحد اليدين لاتخاذ وضعية تحية القوة السوداء في مراسم التتويج في مكسيكو سيتي.
ويقول المؤلف حول إدخال اللجنة الدولية الأولمبية نفسها في السياسة: «إن اللجنة الدولية الأولمبية، كمؤسسة رياضية فوق الوطنية أدخل فيها العديد من قضايا الحرب والسلم من خلال استضافة لقاءات بين اللجان الأولمبية الوطنية من «إسرائيل» وفلسطين. وفي عام 1990، بدأت اللجنة الدولية الأولمبية العمل مع الأمم المتحدة لتؤسس «هدنة أولمبية» قبل إطلاق كل دورة من الألعاب، حيث توافق الدول على وقف العداء خلال فترة المنافسة الأولمبية». ويضيف: «كانت السياسة مرة أخرى في الواجهة مع أولمبياد الصيف في بكين. كانت دعوة الفريق في المدينة لتأسيس أرضية للديمقراطية، حتى إن عمدة بكين ليو جينغوين قال إنه من خلال استضافة الأولمبياد، نريد أن نروّج ليس فقط لتطوير المدينة، بل تطوير المجتمع، بما في ذلك حقوق الإنسان والديمقراطية، وذهب أبعد من ذلك حين قال: إذا كان لدى الناس هدف مثل الأولمبياد يسعون لأجله، فإنه سيساعدنا على تأسيس مجتمع منسجم وعادل، مجتمع ديمقراطي أكثر، والمساعدة على دمج الصين في العالم».
وفي الربع الأخير من القرن العشرين، واجهت اللجنة الأولمبية الدولية نقصاً في المدن الراغبة في استضافة حفلة الخواتم الأولمبية الخمس التي تعبر بألوانها المختلفة عن خمس قارات، نتيجة لعملية ميونيخ في عام 1972، والديون الضخمة التي تراكمت في دورة مونتريال للألعاب الأولمبية 1976، والتي دفعت عام 2006. ورداً على ذلك، افتتح رئيس اللجنة الدولية الأولمبية خوان أنطونيو سامارانش الباب على مصراعيه لسيولة الشركات، مما سمح بتحقيق نجاحات نسبية في دورات معينة مثل لوس أنجلوس 1984، وبرشلونة عام 1992، ويشير إلى أنه كانت هناك قضايا معينة مرتبطة باستخدام هذه الأحداث كنماذج للأحداث المستقبلية. كما يذكر أنه تم الرجوع إلى أولمبياد برشلونة مراراً في استضافة دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو، ولكن هناك العديد من الميزات الخاصة التي ساعدت برشلونة على الاستفادة من اللحظة الأولمبية، بما فيها دخول إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتي جعل من الصعب على ريو محاكاة النجاح في برشلونة.
ويذكر أنه في الوقت الذي سيفرح فيه إدواردو بايس عمدة مدينة ريو دي جانيرو «دورة ريو 2016» إذا ما تمت مقارنتها بدورة برشلونة عام 1992، إلا أن هناك العديد من المقارنات اللافتة التي يمكن العثور عليها مع الألعاب الأخرى. ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية في نيويورك، أنفقت أثينا في 2004 مبلغاً ضخماً يقدر ب 1.5 مليار دولار على الأمن، أي أكثر مما يمكن أن تتحمله مدينة. وفي الوقت الذي لا يمكن أن نعزو الأزمة الاقتصادية في تلك المدينة إلى الألعاب الأولمبية، كما هو الحال في ريو، لكن كانت عاملاً مساعداً واضحاً.
احتجاجات اجتماعية
كانت دورة الألعاب الأولمبية في ريو من أولويات الحكومة البرازيلية لمدة سبع سنوات، إلا أنه نتيجة لذلك تراجعت خدمات عامة مهمة مثل الصحة والتعليم. ويذكر الكاتب أنه خلال العديد من الألعاب الأولمبية، نجد من جهة التحسين العام، ومن جهة أخرى التطهير الاجتماعي الذي يعني استبعاد سكان المدن المضيفة الفقراء وتهميشهم بسبب الحدث الضخم. وعلى الرغم من الخطب الرنانة عن البيئة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، فإن واقع الألعاب يظهر بشكل واضح إهمالاً للبيئة، وبدا ذلك جلياً في ريو أثناء بناء ملعب للغولف في محمية «مارابندي» الطبيعية، والتخلي عن جميع المشاريع البيئية المقررة.
يوثق الكاتب في عمله العديد من الاستجابات لهذه الانتهاكات بحق السكان الفقراء، ويبين تصاعد حركة الاحتجاجات المدنية من قبل الناشطين مع كل دورة أولمبية. وعلى الرغم من صدور حكم في الميثاق الأولمبي الذي يفرض على المدن المضيفة تمرير قوانين تجرم الاحتجاج، فقد أظهر نشطاء في فانكوفر ولندن وسوتشي للعالم أن الألعاب الأولمبية مشكلة فعلية. في لندن، دفعت عريضة على موقع «38 ديغريز» عدة رعاة أولمبيين في التنازل عن وضع المعفي من الضرائب، وإجبارهم على دفع ضرائب على الأرباح الأولمبية الخاصة بهم. كما حدثت احتجاجات في سوتشي في روسيا، وحدثت احتجاجات في ريو مع وصول الشعلة الأولمبية إليها، وذلك بسبب التكلفة الباهظة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية.
في استجابة لدعوات من أجل التغيير، اعتمدت اللجنة الأولمبية الدولية حزمة من الإصلاحات معروفة باسم خطة عام 2020، والتي يجدها الكاتب غير مجدية، ويقترح بعض الخطوات الجريئة التي على اللجنة الأولمبية الدولية أن تتخذها، بما في ذلك تبني الشفافية والديمقراطية، وخلق لجنة من الخبراء لضمان المدن استخدام دورة الألعاب الأولمبية لتحسين حياة المواطنين، ومنع منتهكي حقوق الإنسان من استضافة دورة الألعاب الأولمبية. على حد تعبيره، «هناك بعض الأفكار الرائعة في الميثاق الأولمبي. لقد حان الوقت للجنة الأولمبية الدولية أن تلتزم بها».
نبذة عن الكاتب
حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية. يحاضر في الوقت الراهن في قسم العلوم السياسية بجامعة المحيط الهادئ في ولاية أوريغون. لا تتركز جهود بويكيف البحثية على تخصص واحد، بل يكتب ويبحث في مختلف التخصصات الأكاديمية لأكثر من عقد من الزمان،
نشر مقالات في مجالات متعددة مثل العلوم السياسية وعلم الاجتماع والجغرافيا والدراسات البيئية، والتاريخ. بالإضافة إلى الكتاب الذي بين يدينا، له كتابان آخران عن الألعاب الأولمبية، هما «النشاط ودورة الألعاب الأولمبية: المعارضة في دورة الألعاب في فانكوفر ولندن» (2014)، و«احتفال الرأسمالية ودورة الألعاب الأولمبية» (2013). كما سبق وأن أصدر كتابين عن قمع المعارضة السياسية بعنوان «ما وراء الطلقات: قمع المعارضة في الولايات المتحدة» (2007) وقمع المعارضة: كيف تسحق الدولة والإعلام الجماهيري الحركات الاجتماعية الأمريكية (2006). وهو يعيش الآن في بورتلاند بولاية أوريغون بالولايات المتحدة مع زوجته وابنتيه.