التردد و الانتظار.. إفلاس
جو ريننسون *
التوجس والحذر والتردد أسباب رئيسية لآفة الفقر التي تصيب بعض الناس أياً كانت قدراتهم المالية وربما العقلية. ولا تزال عجلة الزمن تدور ويفوز بالمكاسب الجسور.
لنأخذ ظاهرة العملة الرقمية «بتكوين» التي هي مالئة الدنيا وشاغلة الناس هذه الأيام، فهذه العملة التي يسمع بها الكثيرون حيث تتصدر عناوين وسائل الإعلام التخصصي، معروفة للقلة القليلة، منهم يتندرون بذكرها في مجالسهم دفاعاً عن وصمهم بالتخلف أو حباً في ادعاء المعرفة، لكن هناك من حقق ثروة طائلة من تداولها إما لامتلاكه الجرأة أو الخبرة أو كليهما معا.
والحقيقة أنه كلما شهد العالم طفرة مماثلة ينقسم الناس بين سابق بالمبادرة واللحاق بالركب وهم الفئة الرابحة غالبا، وبين متردد يعلل نفسه بالحكمة والحصافة ينتظر مزيداً من الوضوح أو ربما إن أساء النية، أن يشمت بالمتسرعين من وجهة نظره، قائلاً «لقد حذرتكم».
وظاهرة «بتكوين» جديرة بالمتابعة في عالم فرضت العملات الرقمية نفسها عليه ليس فقط طمعاً في كسب المال، بل تحسباً للإفلاس في حال سيطرت عليها ثلة من البارعين المحترفين وتحكمت في تداولها وتوزيعها وبالتالي في أسعارها. فهذه العملة التي انطلقت عام 2010 بسعر أقل من نصف دولار للوحدة تجاوز سعرها الأسبوع الماضي 19 ألف دولار، بمعنى أنه لو أن مستثمراً ذكياً استثمر ألف دولار في بتكوين عام 2010 لبلغت ثروته حاليا 200 مليون دولار.
ولمن يود المغامرة في تداولها نقول هناك 1915 ماكينة صراف آلي لشراء البتكوين موزعة في 60 بلداً من بلدان العالم. كما أن هناك 40 ألفاً وثمانية منافذ خدمة تؤمن تداولها للمستثمرين ضمن قواعد متبعة بطريقتين تتضمن الأولى موافقة الجهة المصدرة للعملة، وهي طريقة آمنة وأقل تكلفة لكنها أبطأ. أما الطريقة الثانية فعن طريق تطبيق خاص مثل «بلوك تشين» يوصلك إلى وسيط مالي يتقاضى رسوماً على الصفقة، إلا أن هذه الطريقة أقل أمانا. وإذا أضفنا إلى هذه الحقائق القيمة السوقية التي بلغتها بتكوين والتي تجاوزت 300 مليار دولار مع توقعات للمحللين ببلوغها تريليون دولار، فكيف سيكون شعور المستثمرين الذين يتجنبون تداولها حتى الآن، وما نفع الحصافة والحذر.
وبين المحذرين من كونها فقاعة معرضة للانفجار في أي وقت، والتطور الذي يشهده تداولها على المستوى الرسمي بعد طرح عقود بتكوين الآجلة للتداول وتفكير مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في صك عملة رقمية خاصة به، يتعمق الشعور بالندم لدى من أدار ظهره لها.
ولعل هؤلاء أشبه بذلك القروي الذي كانت بجوار داره قطعة أرض يود شراءها لكن سعرها المطلوب كان أعلى مما لديه من نقد. فيرجئ شراءها حتى يتوفر لديه ثمنها. وكلما أحصى نقوده ووجد أن المبلغ اكتمل ذهب لشرائها ليجد أن سعرها ارتفع فيعود للادخار والانتظار وتتكرر الحكاية ربما في كل زمان ومكان.
وبما أن الادخار في العملات الورقية ينطوي على مخاطر تراجع قيمتها وتلفها، فإن المغامرة في الادخار في عملة «فتية» مثل بتكوين يحمل فرص الربح السريع وربما الفاحش، مع التأكيد على أنها ليست في منأى عن المخاطر. لكن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.
* «فاينانشل تايمز»