التصنيع العسكري في السعودية
محمد خليفة
جدد عاهل السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز، في خطاب ألقاه يوم الاثنين الماضي، بمناسبة افتتاحه أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، معالم السياستين الداخلية والخارجية للسعودية. فقد نوه بالجهود التي تبذلها الدولة لإيجاد مزيد من فرص العمل والتأهيل للشبّان والشابات. وأشاد بالجهود المباركة التي يقودها رجال القضاء والنيابة العامة في أداء الأمانة الملقاة على عاتقهم. وأكد مواصلة النهوض ببرامج توطين الصناعات العسكرية.
وتتجه المملكة العربية السعودية للتحول إلى دولة صناعية متقدمة، مستفيدة من ظروف محلية ودولية تخدم هذا التوجه الاستراتيجي. فقد حباها الله تعالى ثروات باطنية متنوعة، ولاسيما من الطاقة، مكنتها من تحقيق وفورات مالية كبيرة استثمرت بعضها في بناء بنية تحتية مستدامة، والباقي ادخرته للاستثمارات الكبرى في مجال الصناعات المتقدمة.
وبسبب موقعها المميز، وكونها تضم الأماكن المقدسة عند المسلمين، فقد سارعت الدول الكبرى في العالم إلى نسج علاقات اقتصادية وتجارية وفي مجالات أخرى معها؛ لإدراكها بأهميتها كدولة محورية في العالم العربي والإسلامي. وقد اهتمت الدولة السعودية منذ عدة عقود بالصناعة، وقدمت لها جميع وسائل الدعم والتشجيع، ونتيجة لذلك فقد خطت الصناعة السعودية خطوات كبيرة، وتمثل ذلك بصورة أساسية في التطور الذي شهدته الاستثمارات الصناعية في المملكة، خصوصاً منذ إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي عام 1974، وعملت الدولة أيضاً على توفير البنية التحتية اللازمة، وإنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وإنشاء المدن الصناعية بمختلف مناطق المملكة، إلى جانب إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي، إضافة إلى تقديم عدد من الحوافز الصناعية الأخرى.
كان التركيز في البداية منصبّاً على الصناعات التحويلية، حتى أصبح هذا القطاع يحتل موقع الصدارة في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. ومن القطاعات التي شهدت تطوراً كبيراً أيضاً قطاع صناعة المعدات والآلات، وقطاع منتجات البناء وقطاع المنتجات الغذائية. وفي الوقت الحاضر تسهم هذه القطاعات الأربعة بالنصيب الأكبر من إجمالي الناتج المحلي للصناعة التحويلية السعودية. ورغم اهتمام السعودية بالتصنيع العسكري منذ أن تم إنشاء المؤسسة العامة للصناعات العسكرية عام 1949، لكنها ظلت تعتمد على استيراد السلاح المتطور من الدول الصناعية المتقدمة؛ لاستخدامه في الدفاع عن مصالحها وعن أرضها. لكن منذ تولي الملك سلمان عرش المملكة في يناير/ كانون الثاني 2015، بدأ التأسيس الحقيقي لتوطين التكنولوجيا والصناعات الدفاعية، وبما يسهم في توفير ما بين 60 إلى 80 مليار دولار من مخصصات ميزانية الدفاع، وذلك حسب تصريحات ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان.
وحسب تقرير لمنظمة IHS للمراقبة والتحليل، فقد بلغت معدلات النمو في إنفاق المملكة العسكري عام 2016 نحو 50 في المئة، لتصل إلى نحو 9.3 مليار دولار، في أكبر عملية نمو تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وتستهدف المملكة من خلال توطين الصناعات الدفاعية إلى خفض النفقات، والاحتفاظ بالأسرار العسكرية لنفسها. وكشفت «رؤية السعودية 2030» التي أقرها مجلس الوزراء السعودي، عن أربعة محركات تشمل ركائز تطوير الصناعات الدفاعية، وهي: توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50 في المئة، وتوسيع دائرة الصناعات المتقدمة مثل: صناعة الطيران العسكري، وإقامة المجمعات الصناعية المتخصصة في المجال العسكري، وتدريب المواطنين، وتأهيلهم للعمل في مجال القطاعات العسكرية.
وقد عقدت وزارة الدفاع السعودية اتفاقيات شراكة مع شركات عالمية رائدة في الصناعات الدفاعية؛ من أجل إقامة مصانع لها على أرض المملكة، وفي هذا الصدد كشفت الإدارة العامة لدعم التصنيع المحلي للقوات المسلحة السعودية، عن وجود أكثر من 50 شركة عالمية «أوروبية، أمريكية، تركية، كورية وصينية» مهتمة بعقد شراكات مع الشركات المحلية؛ لتنشيط الصناعات المحلية السعودية، وذلك في معرض القوات المسلحة الذي أقيم في فبراير/ شباط الماضي.
ومؤخراً، أعلنت الشركة السعودية للصناعات العسكرية «اس اي ام اي» أنها اتفقت مع شركة «نافانتيا» الإسبانية على إقامة مشروع مشترك في المملكة العربية السعودية، يوفر بناء خمس سفن حربية، تسلم آخر سفينة منها بحلول عام 2022. وسوف يوطن هذا المشروع، بحسب قول الخبراء، ما يزيد على 60 في المئة من الأعمال المتعلقة بأنظمة السفن القتالية، بما في ذلك تركيبها ودمجها، وسيسهم أيضاً في دعم هدف المملكة المتمثل في أن تكون في طليعة منظومة الصناعات العسكرية.