غير مصنفة

«التطبيع».. معركة خاسرة

يوسف أبو لوز

سواءً ثبت أم لم يثبت تعامل الممثل المسرحي اللبناني زياد عيتاني مع «إسرائيل» على مدى سنتين حيث كما ورد في صحف لبنانية قامت ضابطة «إسرائيلية» بتجنيده للتجسس على شخصيات لبنانية سياسية وثقافية منذ عام 2015، فهذه تظل في النهاية قضية أمنية لبنانية، لكن لبنان الثقافي منشغل بها صحفياً وإعلامياً حتى الذروة، ونأمل، بالطبع، أن يكون عيتاني نظيفاً، لكن المهم هنا هو طبيعة العدو الصهيوني «التلويثية» والتخريبية، فهو يعمل مع متعاونيه المرضى وضعاف النفوس في الساحات السياسية والثقافية على ثلاثة مستويات منذ نشوء هذا الاحتلال بالكذب والتلفيق منذ أكثر من ستين عاماً وحتى اليوم.. المستوى الأول: الجاسوسية، والمستوى الثاني: الاغتيالات، والمستوى الثالث: الاختراقات.. اختراقات الأفراد والمؤسسات والكيانات.
هذا هو دأب «إسرائيل» منذ زراعتها بالخديعة في فلسطين وحتى اليوم.. وكانت الساحة اللبنانية مسرحاً للاغتيالات: اغتيال غسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وعلي فودة، وحسين مروة، وغيرهم بأدوات «إسرائيلية» مباشرة.
السم «الإسرائيلي» الثلاثي هذا «التجسس، الاغتيال، الاختراق» يتجاوز بعض الجغرافيات العربية إلى العالم مثل اغتيال ناجي العلي في لندن، واغتيال معين بسيسو، «أو تدبير موته الغامض» في عام 1984 في لندن أيضاً، ومن ينجو من القتل بالطرق «الإسرائيلية» الجهنمية يتم قتله معنوياً بتشويه صورته وسمعته، فضلاً عن سياسة الإبعاد والتهجير القسري، وتجريف الأرض وهدم المنازل، وإجهاض النساء، والأسر، والاعتقال، والمضايقات النفسية والجسدية، وتستطيع أن تضع هذه الممارسات الغاشمة تحت عنوان واحد هو: «الاغتيال» بشقيه البدني والنفسي.. هذه نقطة.
النقطة الثانية هي صيد «إسرائيل» الدائم أو من وقت إلى آخر في بعض الأوساط الثقافية بشكل خاص.. أي استغلال كاتب، أو فنان، أو مسرحي، أو مفكر أو شاعر نحو حلم «إسرائيلي» لم يتحقق إلى اليوم وهو «التطبيع».
جرى تسويق مصطلح التطبيع من الاحتلال «الإسرائيلي» منذ السبعينات، وتحديداً مع ظلال زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس في 19 نوفمبر 1977، ومن الطبيعي أن تكون العين «الإسرائيلية» في هذه الحالة مصوبة على الوسط الثقافي والفني والمسرحي والسينمائي والأدبي في مصر، لكن كانت خيبة الأمل «الإسرائيلية» كبيرة، وكبيرة جداً عندما اتضح أن الجدار الثقافي المصري يصعب اختراقه أو تدجينه نحو التطبيع، ولم تفز «إسرائيل» من غنيمة التطبيع إلا بأسماء لا تتجاوز أصابع اليد.. وسرعان ما احترقت هذه الأسماء أمام المواجهة الثقافية العربية للتطبيع.
إلى اليوم لا تكف الدوائر الصهيونية بكل تخصصاتها عن تشويه الكثير من الكتاب والفنانين العرب واستدراجهم إلى مستنقعها التطبيعي عبر وسطاء وسماسرة هم في الواقع تجار سياسة وتجار ثقافة، ولكن سرعان ما تسقط عن وجوههم الأقنعة وينتهون إلى الخيبة.
التطبيع أداة من أدوات الاحتلال العنصري «الإسرائيلي»، بل هو معركة من معارك هذا الاحتلال ، ولكنها معركة خاسرة دائماً، فلم يعرف عن كاتب أو فنان أو مثقف عربي يحترم نفسه وله حضور محترم في الوجدان العربي أن استجاب لأي إغراء أو استقطاب «إسرائيلي».. وفي العادة لا يسقط في مستنقع الكيان الفاسد إلا المريض وضعيف الإرادة والنفس.. وهي عينات باهتة لا توجد لها أي قيمة لا في الحياة، ولا في الفن، ولا في الثقافة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى