مقالات عامة

التقنية ونقطة الضعف

شيماء المرزوقي

نعيش تحولاً في المفاهيم الاجتماعية التي كانت سائدة طوال قرون ماضية مع الإنسان، وفي هذا العصر تحديداً نشهد على تغير هذه الأنماط وتحولها إلى أشكال جديدة، وهو حدث تاريخي في مسيرة البشرية، فمواضيع مثل الأخوة والصداقات وزملاء العمل أو الدراسة والتواصل مع الأقارب والزيارات والأنشطة الاجتماعية، جميعها مفاهيم آخذة في التناقص والتقزم أمام أشكال جديدة من التواصل. وأقصد بهذه الأشكال ما يتم على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وعلى التطبيقات التي تملأ هواتفنا الذكية والتي من خلالها نتحاور ونتكلم ونتبادل الأخبار، حتى التهاني في المناسبات العامة وعلى مختلف أنواعها باتت تتم من خلال هذه الوسائل.
نحن نشاهد أحدهم يبلغ من يتابعوه بوفاة قريب له فتنهال عليه التعازي، وعلى أرض الواقع قد لا يجد كل هذا الاهتمام وكل هذا السيل من كلمات التعاطف والمواساة من الناس. أحدهم يكتب على صفحته بأنه يحتاج للمشورة، وكأنه جالس في مجلس يضم مجموعة من المقربين منه، فتنهال عليه النصائح والإرشادات والتوجيهات، أحدهم يرزق بطفل فلا يبقى أي من متابعيه إلا وكتب له تهنئة.
لكن السؤال: لماذا نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في جذب كل هذا الاهتمام من الناس ومن مختلف المجتمعات الإنسانية في العالم؟ وهذا السؤال تحديداً كان محور الكثير من الدراسات والبحوث العلمية التي درست الجوانب النفسية والعقلية والروحية وأيضاً الاجتماعية لهذه المواقع، البعض من العلماء يقولون إن الجاذب أو السبب الرئيسي يعود لنقطة جوهرية داخل النفس البشرية تتعلق بحب الظهور والشعور بالاهتمام من الآخرين، وهذا الجانب أوضحه الرئيس الأول في فيسبوك شون باركر، الذي قال:«كيف تستحوذ على أكبر قدر من وقتك واهتمامك الواعي؟ بإعطاء المستخدم زيادة في الدوبامين (مادة في المخ مسؤولة عن الشعور بالسعادة واللذة) من حين لآخر، فعندما يترك تعليقاً أو يسجل إعجابه بصورة أو منشور لك، سيجعلك تشارك أكثر مستقبلاً، هذا بالضبط ما سيفعله مثلي ليستغل نقطة ضعف في النفس البشرية وهي حب الاهتمام، أنا ومارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لموقع "فيسبوك"، كنا ندرك هذه النقطة وقمنا بإنشاء الموقع».
دون أدنى شك إن مواقع التواصل الاجتماعي تضرب على وتر مهم داخل نفس كل واحد منا لذا نحب تصفحها والعودة لها في كل مرة بل ونتفاعل معها، لكن تبقى هذه المواقع عاجزة تماماً عن تغذية روحنا بالشعور الحقيقي بالحب والألفة مهما حاولنا أن نقنع أنفسنا بحب الآخرين فهم افتراضيون ولا أكثر، كما أنهم عاجزون عن الوقوف معنا عندما نكون في أمسّ الحاجة لمن يأخذ بيدنا نحو الضفة الأخرى.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى