التناقضات الإيرانية
محمد سعيد القبيسي
سابدأ المقالة بهذه المثل المعروف (أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب)، والشاهد من هذا المثل هو ما صدر مؤخراً عن إيران من تصريحات وردود أفعال متضاربة ومتغايرة لا تلتقي في نقطة نهائية، أو إلى هدف محدد، فمن تشجيع لثورات إلى تدخلات في شؤون الغير، نلاحظ الكثير من التناقضات في سياسات إيران الداخلية والخارجية.
فنرى تأييد إيران لثورتي تونس ومصر من خلال خطاب الخامئني ذلك الوقت والذي يساند فيه تلك الشعوب في ثورتهم، وحق اختيار المصير وضرورة تلبية مطالبهم، ولا ندري ما المغزى من هذا كله، ولا من خطاب الخامئني، هل هو لأحقاد دفينة على تلك الأنظمة، أم أنها تسعى لكسب مؤيدين لإيران من القارة الإفريقية.
وجاءت تصريحات المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية مؤخراً رامين مهمان برست في مقابلة لإحدى المحطات الفضائية لتؤكد تلك التناقضات في سياسة إيران حيث إنها تعمل داخلياً عكس ما تصرح به خارجياً، وجاءت تلك المقابلة على نقاط عدة أهمها:
– (اعتبر برست أن التدخل العسكري عاملاً في المزيد من تعقيد الأزمات بالمنطقة، ورأى أن القمع واللجوء إلى العنف لن يحل أي مشكلة وأن الحل الوحيد لحل هذه المشاكل هو الدخول في حوار مباشر مع المتظاهرين والاستجابة لمطالب الشعوب، ورأى أن تصعيد الحكومات مواقفها حيال تحركات الشعوب وعدم الاستجابة لمطالبها العادلة وقمعها بالقوة سوف تكون له نتائج معكوسة).
حتى الآن والكلام سليم وجميل، ولكن هل تم العمل به وتطبيقه داخل إيران، إن ما حدث في إيران هو عكس ما صرح به برست تماماً، فلقد ووجهت التظاهرات السلمية في إيران بكافة وسائل القمع والقتل من قبل قوات الأمن، واعتقال كل من كان له صلة ولو من بعيد في تلك التظاهرات لسجنهم ومحاكمتهم، والتي تنتهي غالباً بالإعدام، حيث تعتبر الاحتجاجات تحت بند الخيانة العظمى، ولم نسمع بأي مبادرات من الحكومة لفتح باب للحوار مع المتظاهرين والمحتجين لسماع مطالبهم.
وجاء تأيداً لقمع تلك التظاهرات خطاب الخامئني الأخير والذي قال فيه (لن أسمح بانحراف حركة الشعب طالما أنا على قيد الحياة)، والنتائج المعكوسة هي ما يحدث الآن داخل إيران من ازدياد في التظاهرات والاحتجاجات، وهي النتيجة العكسية للعنف، وما رأيناه خارج إيران بأنه تمت الاستجابة لمطالب الشعب في تونس ومصر والقادم في ليبيا واليمن بعد قبوله لمبادرات دول مجلس التعاون الخليجي في الانتقال السلمي للسلطة ولا يوجد خلاف في ذلك.
– (وأكد برست أن أحداث المنطقة هي نتيجة صحوة الشعوب التي تطالب أنظمتها بالاستجابة إلى مطالبها وحقوقها المشروعة)، نعم وهذا ما يحدث أيضاً في إيران من صحوة للشعب الإيراني من غفلته وغيبوبته التي ظل بها طوال تلك الفترة الماضية، وبدء يستيقظ الآن لينفض غبار الثورة القديمة وليثور بثورة جديدة هدفها الحرية والديمقراطية على ثورة الماضي والتي تحمل شعارالمؤمرات الخارجية والأعداء، وليرمي ما نسجته من أفكار على عقله وتفكيره، والتي ظلت تخيم لسنين طويلة.
إن جيل اليوم لن يتقبل عقله وفكره وتعليمه ما نسجته أفكار الثورة القديمة، فالعلم كفيل بأن يوجهم إلى الطريق الصحيح في تحريرالعقل من نسيج الجهل والظلام, ولا ننسى أيضاً شعب الأحواز الذي يطالب بالحرية أيضاً وتوفير أقل الحقوق الحياتية الإنسانية، فإن كان يؤكد الصحوة الشعبية فلماذا إذاً يحارب النظام الإيراني هذه الأقلية العربية في الأحـواز حرباً عنصرية مقيتة لا تعرف الرحمة؟
– (ودعا برست حكام المنطقة إلى الكف عن القمع وعدم الاستعانة بالقوى الخارجية لقتل الأبرياء، والتفاهم مع شعوبها، مؤكداً أن بلاده تقف إلى جانب الشعوب وتدعم مطالبها المشروعة)، والسؤال هنا قبل الوقوف مع الشعوب الأخرى ودعم مطالبها هل وقفتم مع الشعب الإيراني ودعمتم مواقفه؟ وهل وقفتم مع شعب الأحواز ودعمتم مطالبه؟ لا بد أن تكون الإجابة بنعم على السؤالين السابقين قبل أن نسمع ما قبلهما.
– (واعتبر برست الطريق الأنسب لتسوية الوضع في البحرين يكمن في الاستجابة لمطالب المحتجين والابتعاد عن استخدام العنف، و استنكر الاستقواء بالقوات السعودية لقمع شعب البحرين وعدم الإصغاء لمطالب المحتجين). إن البحرين دولة خليجية لها سيادتها وحكمها، ولها الحق في الاستعانة بإخوانها في دول الخليج لردع كل ما يهدد أمنها واستقرارها. لقد بذلت حكومة البحرين كل جهدها لمحاولة فتح باب الحوار ومناقشة المطالب مع المحتجين، ولكنها قوبلت بالرفض وازدياد عمليات التخريب، فما كان لها إلا الاستعانة بقوات درع الجزيرة لعودة الأمن والأمان في البلاد، وتصريحات إيران عن الشؤون الداخلية لمملكة البحرين ما هي إلا تدخلات سافرة في شؤون الغير، لن تقبلها البحرين ولا باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وهي من الخطوط الحمراء التي يجب على إيران أن لا تتعداها وأن تحترم سيادة دول الخليج وأن لا تفكر في التدخل بشؤنها لا بالقريب ولا بالبعيد.
إن ما يحدث في إيران هو تمزق داخلي ما بين الشعب والحكومة وهي ما تسعى إلى ترقيعه عبر التصريحات الخارجية لتظهر هي بالصورة الحسنة أمام العالم، ولكن ما تجهله إيران أنها مازالت تعيش تحت جلباب الثورة القديمة والتي كانت تقص القصص على شعبها ويصدقها، أما الآن فالسماء مكشوفة والأعين مفتوحة على الأحداث في كل مكان في هذا العالم الصغير، والعقول تحررت من زمن الحواديت والقصص، وواقع الشعب الإيراني المزري هو ما جعل الشعب يثور ليطالب بحقوقه في العيش كإنسان، وتلبية متطلباته وتطلعاته بتحقيق العدالة والرفاهية الاجتماعية.
إن ما تدركة إيران بأن المواطن الإيراني أصبح مشتتاً لا يعرف ماذا يفعل، فالسلطة الدينية تحرض الشعوب خارج إيران على الثورة وتدعمها وتؤيدها، وفي الداخل تقمع أي تظاهرة حتى ولو كانت تضامنية وسلمية، لقد أصبح يعيش في فوضى من التناقضات غير المفهومة والتي جعلته لا يثق حتى في نفسه.
كان أولى بإيران بأن تلتفت إلى أمورها الداخلية وأن تعالج مشكلاتها بدلاً من أن تنظر إلى الخارج وتستبق الأحداث. إن معركة الانتخابات الرئاسية في إيران لم يبق عليها إلا شهوراً قليلة ومن الآن توجد هناك انشقاقات وانقسامات في مختلف التيارات المحافظة، ولا نعلم من سيقود إيران في الفترة المقبلة.
فالأسلم لها أن تركز على شؤونها الداخلية وتقوم بإصلاح ما يمكن إصلاحه، حتى تتمكن من إصلاح أمورها الخارجية، وعلاقاتها مع باقي الدول، وأن لا تكون ممن يغردون خارج السرب.
نشرت على العربية نت