مقالات عامة

«الجوّال» غير جوّال

د. حسن مدن

أعجبني قول صديق، وهو أكاديمي خليجي معروف، إن علاقته مع هاتفة الجوّال لا تختلف أبداً عن علاقته مع الهاتف الأرضي في البيت أو المكتب، فهو لا يعود إليه إلا بغرض إجراء مكالمة أو الرد على اتصال ورد إليه. هذا طبعاً إذا صادف أنه كان قريباً من جوّاله لحظة الاتصال، فهو لا يصطحبه معه أينما ذهب، واضعاً، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، مسافة بينه وبين هذا الجوّال.
هذا الصديق هو واحد من قلة قليلة، لا بل نادرة، لا يبلغ عددها عدد أصابع اليد الواحدة، في محيط من أعرف من أصدقاء ممن نجوا بأنفسهم من الوقوع في هوس ما تجلبه الهواتف الذكية من عادات جديدة، الكثير منها ليس إيجابياً، كي لا نقول سلبياً، محررين أنفسهم من همّ وغم متابعة ما يصل من رسائل ومواد وصور وفيديوهات عبر وسائل التواصل الكثيرة التي تحويها الهواتف الذكية على صغر حجمها.
وسبق أن تحدثت هنا عن أحد هؤلاء الأصدقاء، الذي لا يزال حتى اللحظة متمسكاً بهاتفه القديم من طراز «نوكيا» المنقرض، وكيف أن أفراد عائلته حاولوا، بالحيلة، استدراجه نحو الوقوع في غواية هذه الهواتف، بأن أهدوه في إحدى المناسبات، لعلها عيد ميلاده، هاتفاً ذكياً، فما كان منه إلا أن أودعه في الصندوق الذي يحتفظ فيه بأوراقه المهمة، وأغلق عليه بالمفتاح، مبقياً إياه للذكرى، واستمر، على سابق عهده، متمسكاً ب«نوكيا» العظيم.
حال الصديق الأكاديمي تختلف بعض الشيء، فهو ليس على هذه القطيعة التامة مع ما هو ذكي من هواتف، لأنه أعطاني رقمأّ بوسعي أن أتواصل معه عبر «واتس آب»، قبل أن يضيف: لا تتوقع مني رداً فورياً على رسائلك، فالجهاز لا يتجول معي أينما ذهبت، وقد أتأخر في الرد عليك يوماً، وربما أياماً، لأني لا ألقي إلا نظرة واحدة في نهاية اليوم على ما وصلني من رسائل، وقد يحدث ألا أفعل ذلك إلا بعد أيام حتى لو كنت ملازماً للبيت.
أتوقع الآن أن الكثير منا سيقولون بشيء من الاستهجان: لمَ كل هذه المبالغة؟ وعلى هيئة سؤال سيرد القول: هل بوسعنا إغفال الأمور الإيجابية الكثيرة التي توفرها تقنيات الاتصال الحديثة في تأمين تواصلنا مع أفراد عائلاتنا وأصدقائنا ومعارفنا وقضاء حاجاتنا؟ وفي هذا، ولا شك، الكثير من الصحة.
لكن المختصين يحذرون اليوم من مرض منتشر ومزمن اسمه الإدمان على الإنترنت، وتحديداً على الهواتف الذكية، ويصفونه بأنه أقوى من الإدمان على التدخين والمخدرات، ويقترحون العلاجات للتخلص منه، وعلى أكثر من موقع تطالعنا وصفات علاج لذلك، بينها: الاعتراف بالمشكلة والإصرار على التخلص منها، وضع قواعد صارمة لتقليص الوقت الذي نقضيه على مواقع التواصل، خلق فترات «صيام» نغيب فيها عن هذه الوسائل.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى