قضايا ودراسات

الحرب العالمية المتجددة

يونس السيد

ما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن الحرب العالمية الأولى التي انتهت قبل مئة عام قد بدأت اليوم أو هي قد بدأت بالفعل منذ زمن، تحت عناوين مختلفة، لكن أسوأ ما في الأمر أن الحروب الدائرة والمتجددة في مختلف أرجاء العالم، لم تجد في احتشاد زعماء العالم في باريس لإحياء المئوية الأليمة وضحاياها، أية حلول لوقفها وإزالة أسبابها.
سبعون زعيماً عالمياً، بكل تناقضاتهم وخلافاتهم، تجمّعوا عند قوس النصر في باريس لإحياء تلك المئوية، من دون وجود أية إرادة لديهم للتوحد من أجل وقف الحروب ونشر السلام على الأرض، إذ لم يتطرق أحد إلى الأسباب التي أدت إلى اندلاع تلك الحرب التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة ملايين جندي ومثلهم تقريباً من المدنيين، سوى بعض الدعوات الخجولة التي ظهرت في منتدى باريس للسلام. صحيح أن الحلفاء انتصروا، رغم كل هذه الضحايا، في تلك الحرب، ولكن ذلك لم يمنع بعد ذلك بنحو عشرين عاماً من اندلاع الحرب العالمية الثانية بكل مآسيها وويلاتها التي فاقت ضحايا الحرب الأولى، ولن يمنع بالتأكيد اندلاع حرب عالمية شاملة ثالثة، بدلاً مما عليه الآن بالمفرق، لكن ضحاياها هذه المرة قد لا يتصورها عقل، بالنظر للأسلحة التدميرية الشاملة والهائلة التطور، والقادرة على إفناء البشرية من على وجه الأرض.
التحذيرات التي صدرت عن منتدى باريس (تغيّب عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب)، من صعود القومية وقوى اليمين المتطرف وتنامي العنف في مختلف أنحاء العالم، والدعوات الخجولة التي صدرت من بعض قادة العالم للسلام، وقبل ذلك الانتقادات والتحذيرات التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أمام الحشد الدولي، بشأن أخطار القومية والسياسات الأحادية، والتنبيه إلى أن «الشياطين القديمة مستعدّة لنشر الفوضى والموت»، كل ذلك لم يعد كافياً لوقف آلة الحرب الجهنمية، ذلك أن هتلر بدأ قومياً اشتراكياً قبل أن يصبح نازياً ويهدد باجتياح العالم، وبالتالي لا بد من وقفة دولية جادة، خصوصاً من جانب القوى الكبرى، لدراسة أسباب تلك الحرب وما بعدها.. من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ووضع الآليات المناسبة لمنع اندلاع حرب جديدة، ما يقتضي العمل على وقف الحروب والنزاعات الإقليمية بشكل فوري. وربما يكون هذا ما عبّرت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أشارت في المنتدى إلى أن التحديات هي مسؤولية دولية مشتركة، ولا يمكن تسويتها من خلال دولة منفردة، وطالما أن العزلة لم تكن الحلّ قبل 100 سنة، كيف يمكن أن تكونه الآن في عالم مترابط اليوم.
وقد يكون صحيحاً ما قاله ماكرون إنه «بإمكاننا معاً التصدي لتهديدات شبح الاحتباس الحراري وتدمير البيئة والفقر والجوع والمرض وعدم المساواة والجهل».. بديلاً لكل ذلك، شريطة أن يقترن القول بالفعل.

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى