مقالات عامة

الحريري في الرياض

صادق ناشر

الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية مؤخراً، بدعوة من قيادتها، دلالة على أن الأزمة التي يعيشها هذا البلد في طريقها إلى تفكيك بعض عقدها، خاصة في ظل أجواء التفاهم التي كان للحريري وبقية أقطاب الحياة السياسية دور وإسهام في تبريدها وعدم تصعيدها إلى الحد الذي يعرض فيه أمن لبنان واستقراره للخطر.
بعد تراجع الحريري عن الاستقالة التي كان تقدم بها قبل نحو ثلاثة أشهر لأسباب داخلية عدة، أهمها العلاقة مع «حزب الله»، وتدخلات إيران في شؤون لبنان والمنطقة، التي من شأنها أن تجلب عدم الاستقرار للبلد، عادت الحياة السياسية لتعمل وفق إيقاع مختلف عن ذلك الذي كان سائداً في المرحلة التي سبقت الاستقالة، وجاءت الزيارة إلى المملكة لتضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالعلاقة بين لبنان والسعودية ومحيطه العربي بأكمله، وهي عنوان لمرحلة ستكون لها انعكاساتها الإيجابية على الساحة اللبنانية في الفترة المقبلة.
من الواضح أن مخاوف عدة برزت لدى أطراف لبنانية وعربية من انزلاق الأوضاع في البلاد إلى الأسوأ بعد الاستقالة التي قدمها الحريري في الرياض خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والخشية كانت تتمحور حول احتمال استغلال بعض الأطراف الخارجية، خاصة ««إسرائيل»» الخلافات الداخلية لإعادة رسم الخريطة في البلاد، وربما لهذا السبب أبدت أطراف عربية رغبتها في إغلاق هذا الملف وترك حل الخلافات الداخلية في أيدي اللبنانيين أنفسهم، لكن بما يحفظ التوازنات السياسية وعدم استقواء طرف على آخر، وهو ما حرصت المكونات السياسية على الالتزام به، خاصة بعد عودة الحريري إلى لبنان ولقائه بالرئيس ميشال عون، ومن ثم إعلان تراجعه عن استقالته لإفساح المجال أمام التفاهمات لتطبيع الأوضاع في بلد قائم في الأساس على التوازنات السياسية والطائفية الدقيقة.
من المؤكد أن سعد الحريري لا يمكنه الاستغناء عن الدور العربي في لبنان، وقد ظهر ذلك أكثر من مرة في التصريحات التي أدلى بها بعد عودته من الخارج بعد أن تسببت الاستقالة التي قدمها بعاصفة من القلق والخوف من أن تستغل الاستقالة في غير هدفها الأساسي، والمتمثل في كشف الغطاء عن الدور الذي تلعبه أطراف داخلية لها ارتباطات بمشاريع خارجية، أبرزها المشروع الإيراني.
جاءت الزيارة الأخيرة للحريري إلى السعودية لتمنح العلاقات بين البلدين زخماً جديداً، وللحريري بدرجة رئيسية ثقة أكبر، خاصة وأنه التقى الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، الذي أشاد في مقابلة مع صحيفة أمريكية بدور الحريري، حيث اعتبر أن موقفه في الداخل أفضل من «حزب الله».
من المؤكد أن زيارة الحريري إلى الرياض ستعمل على ترميم العلاقة السعودية اللبنانية ونقلها إلى مربع أفضل مما هي عليه اليوم، ما يعني أن السعودية ستحرص على إبقاء لبنان لاعباً مؤثراً في المنطقة وعضواً فاعلاً في محيطه العربي، وهو ما التقطه الحريري الذي أعلن أكثر من مرة أن لبنان لن ينسلخ عن عروبته، وسيبقى لصيقاً بأشقائه متشاركاً معهم هموم الحاضر والمستقبل.

Sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى