غير مصنفة

الحق في التعليم

عبد الحسين شعبان

«أيها الجائع تناول كتاباً، فالكتاب سلاح» ذلك ما قاله المسرحي والكاتب الألماني برتولت بريخت، لإدراكه الترابط الوثيق بين التعليم وبين التنمية، فضلاً عن الترابط العميق بين التعليم والمواطنة، ولا يمكن اليوم تحقيق تنمية شاملة أو مواطنة فاعلة دون تعليم مناسب وعقلاني. ولعل مناسبة هذا الحديث هو احتفال منظمة اليونيسكو بالذكرى الـ69 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر/كانون الأول) وتخصيصه للتعليم.
وبما أن التعليم حق فردي وجماعي في الآن، فإن الحاجة تزداد إليه على جميع المستويات، وخصوصاً في البلدان النامية ومنها بلداننا العربية، وذلك لأهمية تأمين هذا الحق وتعميم المعرفة وجعل الثقافة في متناول الجميع.
إن حق التعليم، هو حق إنساني مثلما هو حق قانوني، كفلته المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وخصوصاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 والعهدين الدوليين الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 واللّذان دخلا حيّز التنفيذ العام 1976.
وأطلقت منظمة اليونيسكو بالمناسبة حملة إعلامية لرصد التعليم، خصوصاً للشباب تحت شعار «من المسؤول؟». وذكرت المنظمة معلومات تكاد تكون صادمة، مضمونها أن زهاء نصف بلدان العالم في الوقت الحاضر لا يستطيع مواطنوها «مقاضاة حكوماتهم في حال انتهاكها الحق في التعليم» على الرغم من مصادقة هذه البلدان على إحدى معاهدات حقوق الإنسان التي تضمن بعض جوانب «الحق في التعليم»، علماً بأن 82% من دساتير بلدان العالم المختلفة تحفظ هذا الحق، و55% منها يستطيع المواطن اللجوء إلى القضاء في انتهاك حق التعليم.
وحسب مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالحق في التعليم كومبو بولي باري، فإن الأمر يحتاج إلى تحسين نُظم التعليم والمساهمة في تحقيق الهدف الخاص بالعملية التعليمية، وكانت قد وجّهت دعوتها للحكومات لضمان إعمال الحق في التعليم، علماً بأن ثمة مطالبات دولية تدعو إلى إجراء تعديلات على التشريعات والسياسات غير العادلة بشأن التعليم، سواءً توفير التعليم الابتدائي والثانوي المجاني أو فرض زيادة الإنفاق العام على التعليم قبل المدرسي، أو شمول التعليم للأطفال المصابين بفيروس فقر المناعة البشرية «الإيدز» أو بإدخال تحسينات على البُنى المدرسية، وذلك تبعاً لحاجات البلدان المختلفة بما فيها بلدان ما بعد النزاعات المسلحة والحروب الأهلية وانهيار سلطة القانون.
وفي حين جرت محاولات عديدة في بلدان مختلفة لخصخصة التعليم، فإن هناك معارضات لهذا التوجّه الذي ألحق أضراراً فادحة بقطاعات واسعة من الشباب، بل جعلهم خارج العملية التعليمية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وأجور الدراسة، ممّا دفع أعداداً منهم إلى سوق العمل دون أن يبلغوا السن القانونية، الأمر الذي سينعكس سلباً لا على حياتهم ومستقبلهم فحسب، بل على المجتمع ككل.
وكان العديد من الحركات الطلّابية قد عمل منذ عقود من الزمان للوصول إلى ما يطلق عليه «ديمقراطية التعليم والإصلاح الجامعي» وانعقدت العديد من المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية لهذا الغرض، ومنذ أكثر من أربعة عقود من الزمان ولا يزال هذا الأمر مطروحاً بشدّة في العديد من البلدان العربية، سواءً في بلدان اليُسر أو العُسر ولا فرق بين بلدان غنية وأخرى فقيرة، مع أن بعضها حقّق نهضة على هذا الصعيد، إلّا أن التعليم بشكل عام في بلداننا بحاجة إلى المزيد من التخصيصات المالية للارتقاء بالعملية التعليمية إلى حيث البلدان المتقدمة والاستفادة من العلم والتكنولوجيا كحق فردي للأفراد وجماعي للدولة والمجتمع.
ولا زلنا نحتاج إلى توسيع قاعدة التعليم ليشمل جميع مفاصل المجتمع، وخصوصاً في زيادة نسبة الإناث والاهتمام الأكبر في المناطق النائية والريفية قياساً بالمناطق الحضرية والمدينية وتوفير أقسام داخلية مناسبة وحصول الطلبة على منح أو سلف تساعدهم على إكمال دراستهم وتجميد أو إلغاء الرسوم الدراسية وغيرها.
إن إعمال الحق في التعليم يتطلّب توفير ثلاث شروط أساسية هي:
1- الوعي بأهمية الحق في التعليم.
2- تقديم المساعدة القانونية للوصول إلى تطبيق هذا الحق، سواء عبر القضاء أو من خلال مطالبات مهنية تسهم فيها مؤسسات المجتمع المدني.
3- اتخاذ تدابير وإجراءات لتوفير المزيد من الضمانات لإعمال حق التعليم بما فيه لأصحاب الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الفئات الضعيفة أو المستضعفة في المجتمع.
وإذا كان التعليم هو المدماك الأساسي لكل تقدم وتنمية ومواطنة، فإن الدولة مسؤولة عن توفير الحد الأدنى منه بما يؤهل الإنسان لكي يكون فاعلاً ومؤثراً في المجتمع، خصوصاً بتأكيد قيم التسامح والسلام والمساواة والعدل واحترام الرأي والرأي الآخر في إطار المشترك الإنساني.

drhussainshaban21@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى