الحق في الخطأ
د. حسن مدن
في مسامرة مع ثلة من أصدقاء، لم يمض عليها طويلُ وقتٍ، دار الحديث حول تقييم مراحل معينة من تاريخنا، ودور الأفراد الذين كانوا صُنّاع أحداث تلك المراحل، وتفاوتت الآراء، خاصة حول الشق الأخير من الموضوع، أي دور صُنّاع الحدث خلالها، بين منتقدين أشداء، حد المغالاة، لأدوار هؤلاء، وبين مدافعين لا عن هؤلاء الصنّاع، وإنما عن حقهم في الخطأ. وقال قائل من بين المتسامرين في صيغة سؤال ينطوي على قدر من الاستهجان أو الاستغراب: أتُكثرون على هؤلاء احتمال أن يكونوا قد وقعوا في أخطاء؟
الدفاع عن الحق في الخطأ هو غير تبرير الخطأ نفسه، وهذا الدفاع ناجم من وعي بمحدودية قدرات ذهن الإنسان وتفكيره، مهما بلغت نباهته وذكاؤه، ومهارات صاحبه ونبل نواياه ونقاء سريرته، في الإحاطة بكل ما يدور حوله، خاصة في المراحل المعقدة والفاصلة من التاريخ، التي تتشابك فيها الأحداث والملابسات، وتدخل أطراف متناقضة، متضادة المصالح والحسابات، في صنعها، ما يجعل الوقوع في الأخطاء، وبعضها قد يكون فادحاً ومكلفاً، أمراً ممكناً.
لم يكن التاريخ يوماً سلسلة متتالية من النجاحات والانتصارات، وإنما ينطوي أيضاً على أخطاء وهزائم، وقد تأتي النجاحات بعد التعلم من أخطاء سابقة، لولاها ما كان ممكناً تأمين سبل نجاحها، إذا ما أدركنا المسار التراكمي لخبرات البشر، أفراداً وجماعات، دون أن ينفي ذلك الوقوع في أخطاء مدمرة، لا سبيل لإصلاح الحال بعدها، على الأقل لوقت طويل، قبل أن تتبدل الظروف والمعطيات.
التاريخ يجب أن يُقرأ جدلياً، أي كبنية مركبة، تعتمل في أحشائها التناقضات والمتضادات، وهذا ينسحب على تقييم دور الأفراد الذين شاءت الأقدار أن توكل لهم مهام تصح عليها صفة المهام أو الأدوار التاريخية، التي غيَّرت مسار الأحداث في مجتمع من المجتمعات، أو على الأقل تركت من الآثار الشيء العميق.
هذا يسعف في أن يكون تقييم دور هؤلاء الأفراد موضوعياً، فلا يبلغ حد تقديسهم وتنزيههم عن الأخطاء، وحتى ما هو أكثر من الأخطاء، فما من أحد معصوم من الوقوع في الخطأ، وبالمقابل ألا ينزلق نحو وضع كل ما قاموا به في خانة سوداء.
ثمة استدراك واجب هنا، فالحديث لا يدور عن المجرمين والقتلة ومشعلي الحروب وتجارها وناهبي الثروات، وإنما عن قادة وضعوا نصب أعينهم أن ينهضوا ببلدانهم ويرتقوا بأوضاع شعوبهم أو أممهم، مدفوعين بنبل النوايا وبالصدق والإخلاص والنزاهة، فأصابوا في أمور، وأخطأوا في أخرى، وحين يجري تقييم أدوارهم لا يصح أن نحاكمها بظروف اليوم ومعطياتها، وإنما باستعادة تعقيدات وملابسات المرحلة التي عاشوا وعملوا فيها، كي نكّون صورة واقعية عن الظروف التي عملوا فيها، بما كان متيسراً لهم من إمكانات، وبما أحاط بعملهم من تعقيدات تجعل وقوعهم في الخطأ أمراً ممكناً.
madanbahrain@gmail.com