قضايا ودراسات

الحور العين

د. عارف الشيخ

الحور العين كما ورد في قواميس اللغة العربية من حوِرَ يحورَ حوراً فهو أحور وهي حوراء، وكلمة حوراء تطلق على التي يكون بياض عينيها شديد البياض، وسوادهما شديد السواد، والعين جمع عيناء، والعيناء هي واسعة العين.
هذا من الناحية اللغوية، فالمادة يفترض أن تكون مشتركة بين الرجال والنساء، لأنه أحور وهي حوراء مثل كلمة الزوج التي تطلق على الرجل والمرأة فالرجل زوج والمرأة زوج قال تعالى: «اسكن أنت وزوجك الجنة» أي: زوجتك، ويقول الأصمعي: «لا تقول العرب زوجة بل زوج».
نعم.. هذا الأصل لكن كما هو معروف عرفاً بأن المرأة يطلق عليها الزوجة فإن الحوراء كلمة اختصت بالمرأة ولا يقال للرجل أحور، والحور العين هنّ النساء لكن بمواصفات خاصة يوجدهن الله في الجنة ليكافئ بهنَّ الرجال الصالحين.
وقد جاء في وصفهن بأنهن المتصفات بصفات الكمال والخاليات من صفات النقص والخلل، فهن المطهرات من الحيض والنفاس والبول والغائط والمنيّ والمخاط والبلغم والصداع والدرن وسائر الأوجاع، وقد قال الحسن البصري: «هنّ عجائزكم العمُص العُمش طهُرن من قاذورات الدنيا».
ويبدو من الآيات وأقوال المفسرين في شرحها أنهن غير نساء الدنيا، قال تعالى: «إنا أنشأناهن إنشاء» أي أن الله يُنشئهن فلم تقع عليهن الولادة ولم يسبقن بخلق وأنهن لسن من ولد آدم عليه السلام كما يقول أبو عبيدة وغيره، (انظر فتح البيان في مقاصد القرآن ج 13ص 368 تأليف محمد صديق خان القنّوجي).
فبسبب خلق الله الحور العين أن الله تعالى خلق الجنة والنار، فالجنة أعدها للمتقين، والجنة خلقها بما فيها من رفاهية ومغريات لتكون نعيماً للمؤمنين وجزاء لهم على ما قدموا لأنفسهم وصبرهم في الدنيا عن المحرمات.
فالحور العين في القرآن الكريم وصف للإناث فقط، فمرة وصفهن الله تعالى بأنهن «قاصرات الطرف»، ومرة بأنهن «مقصورات في الخيام»، ومرة أخرى بأنهن «عُرب أتراب»، وقد قال سعيد بن جبير في تفسيرها: «هنّ المتحببات إلى أزواجهن»، وقال ابن عباس: «هن العواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون في سن واحدة».
فالحور العين إذن في مفهوم الإسلام الصحيح، حقيقة ولا مكان لانكارهن، وكلمتا الحور العين رمز للأنثى الكاملة منزوعة النقائص، وهي الجائزة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.
نعم… وهي أيقونة الجمال الذي ينشده الرجل في الدنيا. فإذا حرم نفسه في الدنيا منها وجده في الآخرة أشد جمالاً وكمالاً، ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر.
وكما أن الجنة لا مجال لانكارها فإن الحور العين لا مجال لانكارهن وربما يقال: لماذا هذه المكافأة للرجل المؤمن فقط مع العلم أن هناك المرأة المؤمنة أيضاً؟ والجواب أننا لا ننظر إلى الأمور من الجانب الديني فقط بل الإنساني أيضاً، فالمرأة ربما تقول هذا من باب الغيرة، لكن هناك ما يسمى بالعفة مثلاً حيث لا يجد الرجل ما يتزوج به فيصبر ومن صبر عوّضه الله في الجنة.
وخلاصة القول: إن القرآن وصف الإناث بالحور العين وهن مكافأة الذكور المؤمنين حقاً، ولم يصف رجالاً بالحور العين، والمراد بقوله تعالى: «وازواج مطهرة» أي: زوجات منزهات من النقائص.
والحور العين في الجنة من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل فيها.
ولا يقال إن الجنة ما ساوت في الأجور بين المؤمنين والمؤمنات، لأن الله يخص كل جنس بنعيم يناسبه، ومن ذلك ما ورد من أن النساء المسلمات في الجنة يزوجن بالرجال المسلمين من أهل الدنيا بعد أن يدخلهم الله الجنة في أحسن صورة.
يقول الألوسي في تفسيره: «ويعطى الرجل في الجنة ما كان له في الدنيا من الزوجات وقد يضم إلى ذلك ما شاء الله من نساء متن ولم يتزوجن». (انظر روح المعاني ج ٢٥ ص ١٣٦).

زر الذهاب إلى الأعلى