الدور التركي في سوريا
عبدالله السويجي
منذ أن بدأت الحرب في سوريا بين الجيش النظامي والجماعات المسلحة، وتركيا تلعب دوراً تحرص أن يكون رئيسياً في اللعبة العسكرية والسياسية، فطالبت بإسقاط الرئيس بشار الأسد، ونعتته بأقسى الأوصاف، وفتحت حدودها لمرور آلاف المقاتلين المتشددين القادمين من أوروبا الغربية والشرقية وكندا وأستراليا، إضافة إلى المقاتلين القادمين من البلاد العربية، وقدمت لهم التسهيلات العسكرية واللوجستية، وانتشرت أخبار حول شرائها للنفط من تنظيم «داعش»، لتعزيز صموده وإطالة عمره.
وبعد مضي خمس سنوات انقلبت سياساتها مع انقلاب السياسة الأمريكية تجاه المقاتلين المتشددين، وانضمت إلى الحلف الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب، ولكنها اصطدمت مؤخراً بمعضلة خطيرة، تتمثل في إمكانية الصدام العسكري مع الولايات المتحدة على الأراضي السورية، فأمريكا تساند قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومهدت لها الطريق لاحتلال مناطق واسعة، انتزعتها من سيطرة تنظيم «داعش»، وأهمها مدينة الرقة وما حولها، حيث انسحب مسلحو «داعش». وهناك أخبار تقول إن عددهم تجاوز أربعة آلاف مقاتل، انسحبوا إلى جهة غير معلومة، وتقول مصادر إنهم استخدموا الأراضي التركية للعودة إلى أوروبا، وبعد الانتصارات التي حققتها (قسد)، أصبحت في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي يريد أن يحقق سيطرة تامة على الشمال السوري، متذرعاً بقتال الأكراد الذين يصنّفهم إرهابيين.
ومع الانتصارات التي حققها جيش النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون والروس و«حزب الله»، واستعادوا أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، قررت تركيا الدخول بثقلها لتأمين حدودها كما تقول، من حزب العمال التركي، وتوجهت مباشرة إلى مدينة عفرين، وأعلن أردوغان أن الجيش التركي سيواصل الزحف ليصل إلى منبج، وأطلق على العملية «غصن الزيتون»، وادعى أن العملية أمنية بحتة ولا أطماع لتركيا في سوريا.
وعلى الرغم من مرور حوالي شهر على بدء عملية عصن الزيتون، إلا أن الجيش التركي لم يحقق أهدافه المعلنة، فقد اصطدم بمقاومة عنيفة من المقاتلين الأكراد، وتكبّد أكثر من 30 قتيلاً، وطلب من الجيش الأمريكي المتواجد في عفرين ومنبج مغادرة المنطقتين، إلا أن قائد الجيش الأمريكي في المنطقة تعهد بعدم المغادرة، وبالتالي أصبحت تركيا في مأزق، إضافة إلى عدم وضوح الموقف الروسي الذي أعلنت تركيا موافقته على العملية، ضمن شروط، شأنه شأن الموقف الأمريكي، الذي طالب تركيا بأن تواصل العملية العسكرية شرط عدم الإضرار بالعلاقات التركية الأمريكية، وهو موقف يشبه الأحجية وقريب من الخبث السياسي والعسكري.
تركيا عينها على الأراضي السورية، وعلى المنطقة برمتها، وتريد أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، وسهلت هجرة السوريين وغيرهم إلى تلك الدول حتى باتت تشكل أزمة، وفي الوقت ذاته، تتحالف مع التنظيمات المتشددة و«الإخوان» المسلمين. وغني عن التوضيح، التناقض بين المسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي، والتحالف مع «الإخوان»، ولهذا، لم ينجح في استكمال الشروط والمعايير التي طلبها الاتحاد الأوروبي ولا سيما معيار الحرية الإعلامية والتعبير عن الرأي، وكذلك عدم مساندة التنظيمات المتشددة، ما يدل على ارتباك في السياسة الخارجية.
فماذا تريد تركيا من هذه السياسة، وهل أطلقت عملية «غصن الزيتون» للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا من جديد، للدخول إلى الاتحاد الأوربي؟ أم أنها تريد خلط الأوراق السياسية والعسكرية في سوريا، وإسقاط بشار الأسد، ليتسنّى لها الدخول بقوة في اللعبة السورية والتنافس مع روسيا على الثروات الطبيعية والممرات الاستراتيجية؟ أم أنها تريد خلق الفوضى لتسود هي من خلال إضعاف جميع الأطراف.
يبدو أنها لن تحقق أي هدف من أهدافها الاستراتيجية، فهي لم تنجح أوروبياً، ولا عربياً، ولا سورياً؛ لأن «قوات حماية الشعب الكردي» طالبت النظام السوري بالقدوم إلى مدينة عفرين، وإذا ما استجاب النظام فإن تركيا ستصطدم مع الجيش السوري، وسيكون صداماً مع حلفائه في إيران وروسيا و«حزب الله»، وهذا ما لا تريده تركيا.
الأيام القادمة ستكون حاسمة في الدور التركي في المنطقة، فإما أن يصطدم أردوغان بسوريا وحلفائها، وإما أن يعود إلى عمقه التركي، وفي الحالتين يكون خسر .
suwaiji@emirates.net.ae