الدول المشاغبة وحلم الإمبراطورية.. قطر مثالاً
رقية الزميع
تتبّع السلوك السياسي لبعض الدول المتنمرة يجعل الباحث في حيرة من أمره، إلى ماذا ترمي تلك الدول من خلال سياساتها المتخبطة. هل هو تنمر سياسي؟ أم أنه الحلم باستنساخ مد النفوذ لحدود الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؟
قطر مثلاً: منذ الانقلاب الأبيض في العام 1995 تبنت منهجاً سياسياً يقوم على تقويض الوحدة الإقليمية وتحقيق انقسامات إقليمية لأجل “الاستفادة من برنامجها الطائفي القبيح” المتوافق مع سياسات إيران الهادفة لزعزعة استقرار المنطقة ونشر الإرهاب. سياسات قطر التي دعمت التطرف وسعت على مدى أكثر من عشرين عاما لضخ عشرات الملايين من الدولارات عبر شبكات التمويل الغامضة للمتمردين السوريين المتشددين والسلفيين المتطرفين في المنطقة والعالم وهو منهج غير منسجم، إن صح التعبير، مع سياسيات دول الخليج التي عرفت بسياسات متقاربة المواقف والمتسمة بالاتزان واحترام سيادات الدول.
في المنطقة ابتلينا بنماذج سياسية تمارس البلطجة السياسية، ابتداءً من السلوك الإيراني بالأدوات المعتمدة على الدين والشحن الطائفي والضالع في إرهاب الدول، وإشعال نيران الطائفية، ودعم وإيواء المنظمات الإرهابية، وتوفير بيئة حاضنة لها كتنظيم القاعدة، وسجلها الحافل بالتعديات على المملكة ومحاولة زعزعة أمن المملكة واستقرارها، فضلا عن محاولتها اغتيال السفير عادل الجبير في واشنطن في العام 2011، مرورا بحكومة معمر القذافي في ليبيا التي استخدمت أموال النفط لدعم الإرهاب وتورط القذافي شخصيا في التخطيط لتنفيذ اعتداء ضد الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – ولي العهد آنذاك، المحاولة التي تعدت فيها التنمر أو البلطجة إلى الجريمة السياسية المنظمة بمحاولة اغتيال رمز سياسي كبير لأحد أهم دول العالم.
سعيا لاستكمال نهج القذافي المعتمد على الانتماء الجغرافي لإفريقيا وحلم ملك ملوك إفريقيا “الذي استفاد من أن إفريقيا فيها أربعة وخمسون دولة مستقلة يغلب عليها الجهل وتأخر التنمية، وامتدادا لمساعي إيران التخريبية، تقوم قطر بمحاولات ممنهجة ومستمرة لزعزعة أمن المنطقة وإثارة الفوضى ودعم الإرهاب منذ انقلابها في العام 1995عبر دعم جماعات ومنظمات وشخصيات، ومنظري جماعات منشقين على حكوماتهم مثل القرضاوي وغيره، كما وأحلامها بزعزعة أمن واستقرار المملكة والتطاول عليها عبر أذرعتها الإعلامية أو السماح لشخصيات لديها أجندة خفية ضد المملكة ورموزها بالتطاول عليها.
دعم قطر للإرهاب والمنظمات الإرهابية لم يكن بالجديد وأينما وجد الإرهاب فستجد: أموال قطر وأيادي إيران ومغامرات ليببا القذافي سابقا لاعبين رئيسيين في التمويل أو بالتدريب أو الدعم لمنظمات أو لجماعات متأسلمة.
بحسب تقارير العديد من المنظمات الدولية والرسمية، منها التقرير الصادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات “FDD” ومن خلال تتبعها لسلوك قطر اتهمتها فيه بتقويض الأمن الدولي من خلال دعم وتمويل الإرهاب ومن خلال مسؤولين قطريين تعهدوا بتقديم الأموال والأسلحة لجبهة النصرة، أيضا غض الطرف عن ممولي الجماعات الإرهابية واستضافة متطرفين متهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا ومتعاونين مع تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى منح بعضهم حصانات قضائية. كما حدد تقرير الخارجية الأميركية السنوي الصادر عام 2015 حول الإرهاب، بالاسم الجماعات التي يمولها قطريون مثل “القاعدة في جزيرة العرب” و”الشباب” الصومالية.
لتلخيص محركات ودوافع السياسة القطرية وسلوكها السياسي المتشبه بإيران لا تعدو كونها محدثة نعمة تدار بعقلية شعبية انفعالية، بسيطة الأدوات والمحركات، كلاعب في السياسة العالمية مدفوعة برغبة براغماتية توسعية تهدف للسيطرة ومد نفوذها والتحكم في المنطقة، صورت نفسها إمبراطورية قطرية خيالية على غرار بريطانيا الدولة ذات المساحة الصغيرة التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والذي يبدو للمتأمل أن اللاعبين الأساسيين ليسوا فقط القطريين أنفسهم وإنما قطر وضعت نفسها “ملفى” للنفايات السياسية المنبوذة من الدول العربية سواء: فلسطينية أو خليجية أو عربية، افرادا كانوا او أحزاب، ويتم منح الضوء الأخضر لتلك النماذج غير المرغوبة في أوطانها، لتمارس التنظير السياسي وحياكة المؤامرات لشق الصف الخليجي، وزرع الفتن داخل دول الخليج وباقي الدول العربية سواء عبر استقطاب الدعاة مدمني الشهرة لتأليبهم ضد حكوماتهم ومن خلال شراء ذممهم الرخيصة لتنفيذ أجنداتها ومخططاتها الاستخبارية، والذي يتضح جليا منه بأن هناك استغلالا للسذاجة السياسية في قطر.
هل يعلم الساسة في قطر أن تلك النفايات السياسية لا تنظر لهذه الإمارة الصغيرة سوى فقاعة نفطية يجهدون في التسلق على أكتافها أي “تقليبها” بالتعبير المصري. إن ما قامت به مؤخرا من خلال صوتها الإعلامي السفيه قناة الجزيرة برسم كاريكاتير يسيء لمقام الملك سلمان، وما سبق ذلك من تعديات ممنهجة تحاول المساس بالمملكة لما يفوق العقدين من الزمن وما جاء مؤخرا على لسان أمير قطر ما يعد الشعرة التي قصمت ظهر البعير والمنعطف السياسي الذي لا يمكن السكوت بعده عن تاريخ طويل من ممارسات قطر ضد المملكة وباقي دول المنطقة. قطر الجار الخليجي الصغير الذي انتهج مسارا مخالفا لما عرف عن دول الخليج من سلوك سياسي متزن ورصانة دبلوماسية تهدف إلى وحدة الصف وجمع الكلمة والبعد عن الشبهات السياسية.
مقارنة سلوك قطر بالسلوك الإيراني وقبله ليبيا القذافي يتضح بأن التنمر السياسي هو رغبة لبلوغ نفوذ بعيد وتحكم في المنطقة من خلال دعم كل المنظمات والشخصيات المارقة عن القانون وإحداث الفوضى ودعم أجندات دول أخرى من أجل مكاسب رخيصة، أم أنها – أي قطر- تعتقد بأن تغذية الفوضى سوف يمكنها من أن تكون الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أم تظن بأنها سوف تتسيد الشرق الأوسط، أو -وهو المرجح- بأنها ستستمر في مسعاها لتكون الدولة الراعية للإرهاب في العالم وتفوز بالمركز الأول عن هذا النهج. تهانينا مقدماً.
رد الفعل السعودي الذي استنفذ كل المحاولات للصبر بأنه لا يجب التسامح والتهاون أمام هذا النهج وحان الوقت لإعادة قطر إلى حجمها الطبيعي.
في هذه الأيام المباركة يحتفل المسلمون بصيام شهر رمضان المبارك، نرى المشاعر المقدسة مهوى الأفئدة وقد امتلأت من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها ينعمون بأداء شعائرهم بأمن ورعاية وقد سخرت المملكة كل طاقاتها وأجهزتها وجنودها لخدمتهم، بل والتفاني بخدمتهم، وأخيرا إن تشريف الله للمملكة وقادتها بسدانة الحرمين وخدمتها وخدمة ضيوفها يتواءم مع قيمها العربية والإسلامية والتي لم تحمل يوما أجندات تخريب وتفريق شمل المسلمين ووحدتهم أو استغلالهم لتأليبهم ضد حكوماتهم أو تدمير أراضيهم ومكتسباتهم مثل جيراننا الأعزاء.