الذكرى الخمسون لـ «مجزرة ماي لاي»
هوارد ليسنوف *
قبل 50 سنة، هزت العالم مجزرة رهيبة، ارتكبها جنود أمريكيون خلال حرب فيتنام، وذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء من رجال ونساء وأطفال ورضع.
عام 1968 كان خطراً، وشهد أحداثاً مزلزلة؛ إذ إن رياح الثورة كانت تهب عبر الكرة الأرضية، وتشمل بلداناً من أوروبا إلى المكسيك، وحتى إلى الولايات المتحدة وما بعدها.
وفي ذلك العام، اغتيل زعيم حركة السود الأمريكيين ضد العنصرية مارتن لوثر كينغ بينما كانت الولايات المتحدة لا تزال تحت صدمة اغتيال رئيسها جون كينيدي عام 1963. وكانت هناك أيضاً الاضطرابات، التي رافقت مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، ثم انتخاب ريتشارد نيكسون رئيساً ليواصل حرب فيتنام بكل وحشيتها طوال رئاسته. وفي ذلك العام أيضاً حدثت مجزرة ماي لاي في فيتنام وسط محاولات لطمسها، إلى أن أماط اللثام عنها الصحفي الاستقصائي سيمور هيرش في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1969.
حدثت تلك المجزرة الرهيبة في منطقة قروية قريبة من ساحل وسط فيتنام الجنوبية آنذاك، حين هاجمتها وحدة من الجيش الأمريكي بقيادة الملازم وليام كالي، وارتكبت مجزرة عشوائية فظيعة قتل فيها بلا رحمة أكثر من 500 مدني من رجال ونساء وأطفال ورضع. وأظهرت التحقيقات اللاحقة أن تلك المجزرة كانت انتقاماً لهجوم سابق شنه ثوار فيتكونغ وأسفر عن مقتل جنود من الوحدة الأمريكية ذاتها.
و«مجزرة ماي لاي» لم تكن حادثة منعزلة، وإنما هي عكست الانتهاكات الدموية للقانون الدولي والقانون الأمريكي، وبخاصة قوانين الحرب، التي تحظر قتل مدنيين غير مقاتلين. و«مجزرة ماي لاي» كانت أيضاً انتهاكاً صارخاً للقوانين الإنسانية، كما أظهرت ذلك شهادات شهود عيان وصور فوتوغرافية ظهرت فيها أعداد كبيرة من جثث مدنيين أمام مساكن، وعلى طرقات، وفي خنادق. ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية أخفت في البداية عن قرائها ومشاهديها الأمريكيين مشاهد ظهرت فيها أمهات كن يحملن أطفالاً صغاراً بعضهم رضع عندما قتلن.
وهناك أمر مهم آخر في «مجزرة ماي لاي»، هو أنها جرت في أجواء من شيطنة وعنصرية فجة ضد الشعب الفيتنامي.
وفي حالات كثيرة، كان عسكريون أمريكيون يريدون فضح تلك الأعمال الوحشية؛ لكنهم تلقوا تهديدات من ضباطهم، وحتى من جنود رفاق. وبعض الجنود رفضوا المشاركة في جرائم قتل جماعي، وبعضهم تدخل لمحاولة وقفها.
وكثيرون في أمريكا رغبوا في أن يعتقدوا أن «مجزرة ماي لاي» كانت حادثة شاذة ارتكبتها قلة من الجنود؛ لكنّ كثيرين من الكتّاب الأمريكيين نشروا وثائق دامغة أظهرت أن سجلات الحكومة الأمريكية ذاتها تؤكد أن كثيرين من العسكريين الأمريكيين في فيتنام ارتكبوا مجازر، والعسكريون كانوا ضمن كل فرقة في الجيش الأمريكي في فيتنام. وإراقة الدماء الوحشية هذه التي استهدفت مدنيين بشكل جماعي كانت ترتكب طوال حرب فيتنام.
والوثائق التي كشفتها وسائل إعلام أمريكية بعد سنوات من انتهاء الحرب أظهرت أن ما لا يقل عن 320 مجزرة على غرار «ماي لاي» ارتكبت على أيدي جنود أمريكيين في فيتنام. وأكدت ذلك التحقيقات التي أجراها الجيش الأمريكي ذاته.
واللافت للنظر في حرب فيتنام هو أن أكثرية من الأمريكيين عارضوها في حينه، وقد شاركت أعداد غفيرة منهم في تظاهرات سلمية؛ للمطالبة بإنهاء تلك الحرب.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الخمسين ل«مجزرة ماي لاي» في 16 مارس/آذار 2018، قد يكون من الضروري التذكير بأن مجازر ضد مدنيين تحدث دائماً خلال الحروب؛ لكن ما يحزن ويؤسف له هو أن سياسيين بارزين في أمريكا حاولوا تصوير حرب فيتنام بصورة إيجابية، ومنهم رونالد ريجان، الذي اعتبر خلال حملته الانتخابية، التي فاز فيها بالرئاسة عام 1980 أن حرب فيتنام كانت من أجل «قضية نبيلة».
وبعد 50 سنة من «مجزرة ماي لاي»، لا تزال مجازر وفظائع ترتكب في الحروب، في انتهاك فاضح ومؤلم لقوانين الحرب والقوانين الإنسانية الدولية.
* كاتب أمريكي – موقع «كاونتر بانش»