الذي يأتي ولا يأتي!
خيري منصور
منذ اشتهرت مسرحية صاموئيل بيكيت وهي بعنوان «بانتظار غودو»، أصبحت تعبيراً متداولاً عن الانتظار العقيم، لأن خلاصتها أن من جلس الناس بانتظاره في قاعة المسرح هي أنه يأتي ولا يأتي، وهناك وعود كثيرة قدمت للإنسانية، في مقدمتها السلام ووداع الحروب والأوبئة والكراهية، لكن تلك الوعود لم تتحقق وقد لا تتحقق في المدى المنظور!
فكلما تقدمت البشرية خطوة إلى الأمام وباتجاه الشاطئ الآخر لنهر التاريخ، أعيدت رغماً عنها خطوات، ومن بشرونا في نهاية الألفية الثانية أننا على موعد مع قرن من السلم والرفاهية والتعايش، سرعان ما هبت الأعاصير لتقلب قواربهم الورقية وأحياناً تغرقها!
فالتاريخ كما يقول أبرز من كتبوا قصته في القرن العشرين وهو ويل ديورانت لم يكن سوى حرب طويلة، تتخللها استراحات توظف لإحصاء الغنائم والخسائر، وإعادة شحذ الأسلحة وتنظيف الخنادق!
غودو الذي ننتظره جميعاً على اختلاف الأجناس والعقائد والثقافات، هو تلك اللحظة التي يصبح فيها هذا الكوكب آمناً وصالحاً للإقامة، وبخلاف ما أراده الكاتب بيكيت، فإن غودو الذي ننتظره ليس فرداً أو معجزة أو مستحيلاً رابعاً، بعد الغول والعنقاء والخل الوفي، إنه حاصل جهد علماء ومثقفين ومصلحين وحالمين، يتفوقون على شجونهم الذاتية ونرجسيتهم، ليعبروا الحدود كلها تحت شعار واحد هو الإنسان الذي أصبح، كما يصفه د. مصطفى حجازي، مقهوراً ومهدوراً وموتوراً، لأن هناك فقهاء كراهية وجهابذة انتقام ضيقوا المفاهيم وحاصروا الإنسان بين أقواس خانقة، بحيث تصبح الهوية قاتلة، كما وصفها الكاتب اللبناني بالفرنسية أمين معلوف!
إن غودو العدالة والتعايش قادم لا محالة، وقد تعوقه كمائن الشر ومضادات التمدن، لكنه سيأتي، حتى لو وصل إلينا نازفاً ومثخناً بالجراح!
والعصر الذي تجاوز فيه سيل الدم الزُّبى، ولم يبلغها فقط لا بد أن ينتظر ويكدح خلال انتظاره كي لا يكون كمن توكل ولم يعقل!