الرأي العام وحورية التعبير
عبد اللطيف الزبيدي
قال القلم: أليس غريباً أن معاهد الصحافة وكليّات الإعلام، في جميع أنحاء الإعلام، تدرّس فنون التحرير الإعلاميّ وتؤهل الطلاب للاحتراف، ولكنها تتجاهل تماماً التربية الإعلامية القائمة على شرف المهنة، وهي الأهم؟قلت: هذه مسألة سياسية أفسرها لك بالنحو: النظام السياسيّ مضاف والإعلام مضاف إليه، والمضاف في جميع الحالات، مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، يجرّ المضاف إليه.
حين يكون النظام مؤمناً بأن حرية الرأي والفكر والتعبير تكشف له الأخطاء فيقوّم المعوجّ ويتقدم، وتمدّه بالأفكار النيّرة فيرتقي بها، يصبح الإعلام سلطة رابعة ذات ثقة بنفسها، وعندما تكون الأنظمة ظلامية مستبدة، تغدو وظيفة الإعلام أن يشغل الناس عن رؤية الواقع، أن ينشر حبوب الهلوسة، تمسي الشعوب ترى إنجازات تنموية وهي لا وجود لها.
قال: أنا معك في هذا، لكن تدريس الإعلام في القارات الخمس، يصب كل جهوده في الاحتراف والعمل المهنيّ، حتى أصبحت المهنة بمعنى الامتهان أخلاقياً. ألا ترى أن الآلات الإعلامية الجبارة العالمية هي الأكثر احترافاً في الكذب والتزوير والخداع وتزيين الدسائس؟ قلت: لغتنا فنانة تحسب لكل صغيرة وكبيرة حسابها، فقد اشتقت الاحتراف والانحراف والتحريف من جذر ثلاثيّ واحد. الفارق بين عالمي البلدان المتقدمة والأخرى المتخلفة، هو أن وسائط إعلام المتقدمين متباينة في الأداء والتزام أخلاق المهنة، كما أن قدرة وصول الإعلاميين إلى المعلومات يحميها القانون، إلا في الحالات النادرة، أمّا في أنظمة طبائع الاستبداد فإن محاولة الوصول إلى الحقيقة جريمة، لذلك ترى اختلاف الوسائط في نسبة التعتيم والتمويه، فيتوهم الناس أنهم يرون تبايناً في الرأي.
قال: وهل لهذه البعكوكة من آخر؟قلت: إن العلوم والتقانة قدّمت فجر الحلول ولكن الطريق طويل. الحلول نفسها خلقت مشكلات لا حصر لها: يحتاج الأمر إلى صبر، فعالم الرقميّ جاء بوسائل التواصل الاجتماعيّ، التي جعلت الرأي العالم يألف تدريجاً وخزات حرية التعبير. هي شيء جديد، لهذا نرى الكثير من الشتم وقلة الأدب والتلاكم والتراكل.
سيتعلم الناس أن النقد النزيه خير من السباب الشخصيّ، وأن تقارع الأفكار أرقى من تصارع الأفراد. البشرى هي أن الإعلام الموجه سيقتنع لا محالة بأن وسائط التواصل صارت أقرب إلى الرأي العام، وأن عليه الدفاع عن موقعه، وستوقن الأنظمة أن حرية الرأي والفكر والتعبير لا مفر منها، لأن الرقابة التقليدية ولى زمانها. الإعلام الشفاف أكبر دعامة لصدقية الأنظمة.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: الرقابة تحتاج إلى فك الرقاب، حتى يظفر الرأي العام بحورية التعبير.
abuzzabaed@gmail.com