مقالات عامة

الرؤية الروسية وتحدّيات الواقع السوري

حسام ميرو

شهد العام الماضي صعوداً للرؤية الروسية للحل السياسي في سوريا، فقد تمكنت من دفع طهران وأنقرة للتوافق معها حول مسار «أستانة»، وقد ضغطت أنقرة على عدد مهم من الفصائل لحضور المفاوضات، وأنتج مسار التفاوض اتفاقية «خفض التصعيد»، التي قامت على أساس تهدئة الصراع تمهيداً للحل السياسي، ودفع المعارضة السياسية لاحقاً للقبول بمسار التسوية بسقف محدد، يستبدل الحكم الانتقالي بحكومة مشتركة، يكون النظام هو عمودها الفقري، مع مكاسب شكلية للمعارضة، أو بعض رموزها.
عملت موسكو من أجل إنجاح رؤيتها على إبقاء «محاربة الإرهاب» ورقة ضغط على مختلف الفصائل المسلحة، في بيئة معقدة ومتداخلة مثل الميدان السوري، وقد أملت من ذلك إيجاد مرحلة جديدة من الصراع البيني، بحيث تُضعف الجميع في الوقت نفسه، ما يقلل لاحقاً من وزنهم السياسي، وتدفعهم للقبول بشروط الحد الأدنى، وهو ما يحقق لها مكانة ونفوذاً عند جميع اللاعبين من نظام ومعارضة على حد سواء.
حاولت موسكو قدر الإمكان الاستفادة من اضطرار الإدارة الأمريكية الجديدة (العام الأول من ولاية ترامب) للانخراط في عدد من الملفات الكبرى، إضافة إلى العقبات الداخلية التي ظهرت أمام الرئيس الأمريكي، وبالفعل فإن إدارة ترامب، ومن ورائها الدول الأوروبية الفاعلة، لم تظهر ردود أفعال عالية المستوى تجاه الرؤية الروسية، في ظل حاجة دولية للدور الروسي في ضبط الصراع العسكري، ومحاولة احتواء النفوذ الإيراني في سوريا، وهو الاحتواء الذي ظهرت هشاشته في الأسابيع الأخيرة، بعد حادثة إسقاط طائرة F16 «إسرائيلية»، وازدياد المخاوف من تصاعد احتمالات مواجهة إيرانية – «إسرائيلية» في الميدان السوري.
وعلى الرغم من وجود عقبات عديدة واجهت «مؤتمر الحوار الوطني» الذي دعت له روسيا في سوتشي، وهو ما اضطرها إلى تأجيله لمرتين، إلا أن موسكو أصرّت على عقده، فثمة حاجة لدى الرئيس بوتين لإحراز نصر سياسي قبل انتخابات الرئاسة في 18 من الشهر الجاري، وبدا واضحاً أن العديد من قوى المعارضة رافضة فعلياً لمخرجات المؤتمر، بما فيها بعض القوى التي كانت قد أيّدت عقده، ومن ثم اعترضت على شروطه من حيث الشكل والمضمون، وهو ما جعل مخرجات المؤتمر تبدو هزيلة، وغير كافية للانطلاق نحو مرحلة متقدمة من الحل السياسي.
الرد الأمريكي على نتائج «سوتشي» أتى سريعاً، فقد أعلنت الولايات المتحدة بقاء قواتها شرق وشمال الفرات إلى أجل غير مسمى، وعزمها على تشكيل قوات من 30 ألف مقاتل لحماية الحدود الشمالية، كما وجهت ضربة لقوات سورية وروسية حاولت التقدم شرق النهر، قتل فيها عدد كبير من تلك القوات، اعترفت موسكو بأن كثيراً منهم يحملون الجنسية الروسية لكنهم لا يعملون ضمن قواتها النظامية، وقد كانت الرسالة الأمريكية محددة ومحدودة وواضحة، وهي عدم تجاوز مصالح أمريكا في الصراع السوري.
ما أملت موسكو بأن تجنيه من التدخل العسكري القوي في الصراع السوري، عبر رسم مساره السياسي، الذي يضمن مصالحها الاستراتيجية، اصطدم مجدداً بموقف أمريكي وغربي رافض للمخرجات الشكلية لمؤتمر سوتشي، حيث قدمت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن رؤية للحل السياسي، تمنح فيه الأمم المتحدة دوراً مركزياً في مراقبة خطوات العملية الانتقالية، وخصوصاً الانتخابات، وهو ما لا يتناسب بطبيعة الحال مع أهداف موسكو من الحل، كما لا يضمن لها حكومة موالية في دمشق.
في ظل هذه التعقيدات، جرى التصعيد الميداني، خصوصاً مع القصف الجوي المتواصل على الغوطة الشرقية حيث «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام»، والتي يفترض أنها مشمولة باتفاقية «خفض التصعيد»، وهو ما يعني فعلياً انتكاسة كبيرة لمسار أستانة، ويظهر في الوقت نفسه حاجة موسكو لكسب أوراق ضغط إضافية، لكن هذا لا يعني قطعاً السماح لها بتجاوز حدود مصالح أمريكا وحلفائها.
ومن جديد يأتي تصعيد ملف السلاح الكيماوي ليضع روسيا نفسها أمام تحديات جديدة.

husammiro@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى