الربيع الفرنسي الأصفر
عبداللطيف الزبيدي
كيف يمكن تفسير ظاهرة السترات الصفر في فرنسا؟ هل هي طلائع ربيع فرنسي سرت نسائمه إلى بلجيكا؟من يدري، فلربما تهادت الأنسام إلى ديار أوروبية أخرى، والرياح لواقح.
إذا صحّ إحصاء الشرطة الفرنسية، فإن عدد مرتدي السترات بلغ يوم 17 نوفمبر الجاري قرابة 280 ألف متظاهر. باعة هذه السترات، إذا فار التنور، سيحققون أرقاماً يدخلون بها موسوعة جينيس. رزق من حيث لا يحتسبون، وسيشكرون، لكن لا إلى حدّ شرّ البليّة المضحك في بغداد، حين كان باعة التوابيت يقبّلون أيديهم «وش وظهر» عند ارتفاع عدد الانفجارات.
الطريف في قوم السترات الصفر، هو أنهم ليس عندهم ما يخفونه، فنشاطهم ليس تحت الأرض، ففي الليل تعيد السترة الصفراء إلى ذهنك المطلع الغزليّ لأبي الطيب: «أَمِنَ ازدياركِ في الدجى الرقباءُ..إذ حيثُ أنتِ من الظلام ضياءُ». لكن الآلية المعهودة في الظاهرات الجماهيرية، يلخصها المثل التونسي: «أعطوه الكراع، مدّ إيده للذراع».
في البدء كانت الاعتراضات على رفع أسعار الوقود. سرعان ما تطوّرت الأمور إلى التعبير عن الغضب إزاء انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع الضرائب. الدنيا مسلسل فيه حلقات. أوّل الغيث سبعمئة معتقل، وقتيلان وعشرات الجرحى. في هذه الحالات يكون الحوار مع الشرطة دائماً على طريقة أبي فراس:«قتيلك قالت أيّهم فهمُ كثرُ».
عامل التنظيم المتعمّد مهمّ. توحيد الزي، ولو بلون سترة، مسألة فيها نظر، حتى من حيث النقود، فالمتظاهر يعترض على فلوس معدودة رفعت سعر ليتر البنزين، في المقابل ينفق ما لا يقل عن عشرين يورو في اقتناء سترة. بعملية بسيطة: ثلاثمئة ألف سترة تساوي ستة ملايين يورو. تظاهرات بورجوازية، والطريف هو أن المتظاهرين هم أنفسهم البروليتاريا الثائرة. فرنسا مهد الثورة الفرنسية، ولكنها أرض روائع الأزياء أيضاً، فهل تنتقل كبريات دور«لا هوت كوتور» 180 درجة، وتتفرغ لتصميم عشرات ملايين السترات الصفراء، ومن يا ترى يبزّها ذوقاً، فلم لا تخيط لكل أوروبي سترة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الفزّورية: ما لون السترات التي سترتديها الشرطة عندئذ؟ سيختلط الحابل بالنابل.
abuzzabaed@gmail.com