الروهينجا والضمير الدولي
مفتاح شعيب
ما زالت الأزمة الإنسانية الحادة للمسلمين الروهينجا تضع المجتمع الدولي أمام ضميره لفعل شيء ينصف مئات الآلاف الذين شردوا من ديارهم في ظروف قاسية ومروّعة، وما زال المسؤولون الدوليون يتهربون من التوصيف الصحيح للكارثة ويتلكأون في طلب جدي بوقف هذه المأساة ومحاسبة الفاعلين، حتى إن الشعور الذي يسيطر على المتابعين أن هؤلاء الروهينجا لا أحد يهتم بهم لمجرد أنهم مسلمون، ولأن العالم الإسلامي ضائع ومفتت تخترقه الحروب والأزمات المزمنة.
في اجتماع مجلس حقوق الإنسان، الذي انعقد بطلب سعودي، تجنب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إدانة نظام ميانمار، عندما اكتفى بترجيح أن تكون الجريمة بحق الروهينجا «قد ترقى إلى الإبادة الجماعية»، كما اعترف بأن المحاسبة «تبدو نادرة»، ولو شاء الدقة لقال إنها معدومة أصلاً، في ظل ما تؤكده الشهادات والتقارير عن حالات بالغة القسوة تعرض لها الرجال والنسوة والأطفال، الذين تجمعت عليهم كل ألوان التنكيل من تهجير وقتل واغتصاب وتدمير للقرى والممتلكات، في مسعى للقضاء على مجتمع جذوره متأصلة منذ قرون في ميانمار. والغريب أن عملية الاجتثاث تحدث والعالم كله يتفرج عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي عصر «حقوق الإنسان» أصبحت مثل هذه الأفعال مرفوضة ومدانة، لا سيما أن أحداثاً شبيهة قد حدثت بالفعل، وأقرب النماذج إلى الروهينجا ما تعرض له مسلمو البوسنة في يوغسلافيا السابقة، فقد تحرك المجتمع الدولي وشن حرباً على صربيا، على الرغم من أن ذلك التحرك لم تدفعه حماية المسلمين، وإنما هناك ما هو أهم من ذلك، وهو مصلحة الدول الغربية الراغبة آنذاك في تصفية فلول الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
ربما لا توجد مصلحة للدول الكبرى في إنهاء مأساة الروهينجا بسبب أنهم يقعون في منطقة بعيدة نسبياً عن خطوط التجارة والمناطق الاستراتيجية، ولكن أبسط شيء أن تكون هناك إجراءات ومحاسبة. وحاولت الولايات المتحدة تبني موقف قوي عندما وصفت ما يجري بأنه «تطهير عرقي». وحين اجتمع مجلس الأمن فشل في إنجاز شيء عملي، وجرى تداول اتهامات للصين بأنها عرقلت إصدار قرار أو بيان شديد اللهجة. وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن الدول الغربية الأخرى التي عادة ما تنتفض لأزمات أقل شأناً من إبادة الروهينجا التزمت الحياد السلبي وظلت تقتصر مواقفها على البيانات الصحفية، وتأخذ بالتصريحات المضللة لحكومة ميانمار مثل زعمها أن أغلبية المشردين الروهينجا عادوا إلى ديارهم، بينما تكشف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الروهينجا أصبحوا الآن بلا وطن تقريباً وهويتهم مرفوضة من البوذيين، وأن من بقي منهم يواجه في ميانمار خطر الطمس والمحو. وهذه الشهادة ليست الوحيدة. فقد وقف وفد الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين على وضع مؤلم حين اطلعوا على أحوال المخيمات في بنجلاديش. وحين زار بابا الفاتيكان ميانمار جرى تحذيره من استخدام كلمة الروهينجا، ولكنه حين وصل إلى بنجلاديش اعترف «باكياً» مخاطباً مئات آلاف المشردين «مأساتكم قاسية جدًا وكبيرة جدًا وسط لا مبالاة العالم». وقد كان بابا الفاتيكان صادقاً في شهادته، ولكن المصيبة في ضمير العالم الذي لا يستجيب.
chouaibmeftah@gmail.com