مقالات عامة

الساعة العلميّة مشكلة المناهج

عبد اللطيف الزبيدي

لماذا كان التقدم العلميّ، ولايزال، الصعب الممتنع في العالم العربي؟ دع جانباً الأجوبة الظاهرية، فهي أوهام، الجواب الصادم هو أن النظام العربيّ لم يكن قط صاحب قراره. التنمية الشاملة المستقلة المنتجة المبدعة، هي أعدى أعداء الأطماع الخارجية. من لا يرى التنفيذ الشرس للمخططات الأجنبية، فليس عليه حرج. التخلف إذاً سياسة مدروسة مفروضة منذ أكثر من قرن.
من دون هذه المقدمة، يتعذر إدراك أسباب عدم ربط التعليم بالتنمية. أسوأ خبر عند الطامعين، أن يكون للعربيّ تعليم عصريّ متطوّر، يفتح له أبواب البحث العلميّ، فيصبح لزاماً عليه الاستثمار في البحث والاختبار والتطوير، وينعكس ذلك على الصناعة والزراعة. حينئذٍ يحتاج إلى بنية تحتية فائقة الإمكانات، ولديه ثروات جوفيّة من الطاقة والمواد الأوليّة، فإذا امتلك العلوم المنتجة القادر على استغلالها وتحويلها إلى مصادر توليد للثروات العلميّة والماليّة، فتلك هي المنافسة الكبرى، وإذا صار يملك أمره، وظفره هو الذي يحك ظهره، فلا شك في أن التنمية الشاملة على هذا النحو، الذي يبدو كاليوتوبيا، وجنّة الأحلام، بأربعمئة مليون منتج، بثروات هائلة، على أربعة عشر مليون كم مربّع، فاجعة زلزاليّة في نظر من يريدون للعالم العربيّ أن يكون أشتات لاجئين مشردين في أوطانهم وأصقاع الكوكب، وكنوزهم منهوبة مجّاناً للعتاة المتقنعين بالقيم الحضاريّة.
تلك هي مأساة المناهج العربية، التي لا تريد أن تعرف أنها هي علّة التخلف العلميّ والاقتصاديّ والسياسيّ. التربية مرتبطة بساعة تُضبط عقاربها على إيقاع العصر. ألا ترى أن الشعوب العربية تستهلك منتجات العلوم والتقانة، وكأنها علب مشروبات غازيّة أو معلبات فول وسردين؟ هل المدرسة جسر بين الطالب والهاتف الجوّال الذي تربطه به عروة وثقى لا انفصام لها، تفوق نجوميّاً علاقته بالمقرّر الدراسي؟ هل زرعت فيه ما يوقد إرادة الإبداع، والطموح إلى الاختراع، فلا تتقزم أحلامه وتتحطم بخوف البطالة والتهميش عند التخرّج؟
المناهج غير مضبوطة على ساعة العصر. العقل العربيّ ماضويّ وطرائق تفكيره بالية، غير قادرة على مواكبة التحوّلات، لهذا هو ينتج التخلف، الذي غالباً ما ينظر إليه الناس بلا واقعية، فهو بنيان مضاد سالب، أي أنه قائم على مجموعة تصدّعات وانهيارات موضوعية، أو جسم مريض في كل مكوّناته. ذاك يحتاج إلى تجديد الأسس والدعائم، وهذا إلى إعادة بناء جهاز المناعة، لينهض الصرح وتعود العافية إلى البدن. إنها الساعة العلميّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: لا يمكن أن يكون العرب في العصر، إذا كانت مناهجهم خارجه.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى