السلطان عبد الحميد والسعوديون
مشاري الذايدي
في المقال السابق، تأملنا سوية، في شخصية الملك المسلم الشهير صلاح الدين الأيوبي، وحقيقة الفاطميين الذين حكموا مصر أكثر من قرنين، بمناسبة تعليقات الروائي المصري الصادمة، يوسف زيدان.
لمحة سريعة كانت، وكان الباعث على التعليق هو أن الشخصيات الإشكالية، التي تخلق استقطاباً حولها، في التاريخ، هي دوماً حافلة بالجديد من البحث والحكي وتقليب النظر.
المقالات المقبلة نتأمل شخصيات ومواقف أخرى، اليوم شخصية أخرى. السلطان العثماني الشهير، عبد الحميد الثاني، هو لدى «كل» الإسلاميين، شخصية موقرة ملهمة مثيرة للشجن والأحلام، وهو لدى آخرين، عدو مبين، وهو لدى فريق ثالث، (أنا منهم) شخص له وعليه، حاول أن يعاند مسيرة التاريخ ويحكم بمفاهيم تجاوزها قطار الزمن.
السلطان العثماني عبد الحميد الثاني حكم من عام 1876، وخلع عام 1909. أي أن حكمه امتد 33 عاماً… أكثر من ربع قرن.
لن أتحدث عن محورة عبد الحميد كل سياسته حول تقديس مفهوم الخلافة، وسبب ذلك، وأنه الرحم الأصلية لكل جماعات الخلافة.
هذا حديث يتشعب، لكن أتوقف فقط عند موقف عبد الحميد من الدولة السعودية!
يحدثنا المؤرخ السعودي المرحوم عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، في كتابه النادر (الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود… سيرته وتاريخه). فيقول:
«أثبتت المراجع والتقارير الموجودة في الأرشيف العثماني ما يدلّ على تصميم العثمانيين على إسقاط الدولة السعودية الثانية، ومن أقرب المصادر لمعرفة هذه الحقيقة التقرير العثماني المرفوع للسلطان عبد الحميد الثاني في عام 1308 هـ (1891م) وهو تقرير مهم فيه كثير من التفاصيل عن العلاقة بين الدولة السعودية منذ نشأتها وحتى قيام الملك عبد العزيز، ولم يعلنوا عن هذه النيات حين استيلائهم على الأحساء باسم الإمام عبد الله بن فيصل مخافة أن يفسد ذلك مخططاتهم المبيّتة للرغبة في حكم المنطقة». (ص 82 – 83).
وحين نجح عبد العزيز في دخول الرياض مدشناً الدولة السعودية الثالثة، أزعج ذلك عبد الحميد، يقول الرويشد:
«وعندما استرد الملك عبد العزيز الرياض أرسل المشير فيضي قائد الجيش العثماني السادس المرابط في بغداد برقية سرية في شوال 1319هـ(فبراير (شباط) 1902م) إلى قائد الجيوش السلطانية، نقل إليه فيها أخبارا وردت من الأحساء باستعادة عبد العزيز بن عبد الرحمن الرياض التي يشكل موقعها مركزا مهما في نجد، وطالب فيضي بسرعة زيادة القوات العثمانية في لواء الأحساء، وقد اهتم السلطان (عبد الحميد) بهذا النبأ؛ فكتب إلى قائد الجيش السادس يطلب منه تقييما للموقف». (ص 93).
كما سبق، هي فقط لمحات للتأمل.
نقلاً عن “الشرق الأوسط“