مقالات عامة

السياسة الواقعية في شعرنا

عبد اللطيف الزبيدي

هل برهنت الأيام على أن العالم العربي لا طاقة له على طاقته؟ الكون كله قائم على الطاقة، فكل صراع هي محوره، من أضأل كائن حي إلى الإمبراطوريات. منطق الحصول على الطاقة، يتدرج من «من له حيلة فليحتل»، إلى «من لديه قدرة على الاحتلال فليحتل». في الواقعية السياسية، لا تعدو القيم أن تكون «أكل هواء» لا يغني من جوع إلى الطاقة.
الغريب هو سوء القراءة، وإلا فإن المتنبي من أكبر منظري السياسة الواقعية في تاريخ العرب، أرسى قواعد لقوانين القوة، بطرائق مختزلة في الموزون المقفى، تجعل مكيافيللي لا يساوي شعرة في مفرقه. أدرك الرجل بلغتنا اليوم أن الفطرة البيولوجية تنزع إلى القوة، أما المثل العليا لدى المتجبرين فهي مسوغات ومستحضرات تجميل. بيولوجياً، لا يوجد أدنى فارق بين جنتلمان أنيق في أرقى مطعم يتناول، بفنون الإيتيكيت، شريحة «ستيك» بالفطر، وبين سبُع ينهش فريسته. لكن الوحش ليس وحشياً عديم الإنسانية، إلى حد تدمير بلد له آلاف السنين من الحضارة، لمجرد نهب براميل النفط أو الأمتار المكعبة من الغاز، بأحابيل التحرير ونشر الديمقراطية ومساعدة «الثورات».
من هنا يرى القلم أن الأجيال العربية، فاتها، طوال قرون تتجاوز المتنبي إلى العصر الجاهلي، أن تدرس المخبوء من السياسة الواقعية في الشعر العربي. ما عليك إلا أن تقرأ الأبيات كما لو كانت نثراً، وتتأمل كيف أن النص أفكار موضوعها موازين القوى في الصراع الحياتي وتنازع البقاء. شاغل العصور، أحمد بن الحسين، يصور السلوك البيولوجي البشري المبرمج في مورثات الحيوان الناطق، في أبيات كثيرة وفيرة، منها ما يبعث على اليأس من قدرة الأخلاق على التصحيح، إن لم تتدخل علوم الوراثة والأحياء مستقبلاً بتعديل الجينات، إنقاذاً للمعري: «لم يَقدُرِ اللهُ تهذيباً لعالمنا». لكن أبا الطيب يقدم المشكلة البيولوجية: «والظلم من شيم النفوس»، «ومن تكنِ الأسدُ الضواري جدودهُ.. يكن ليلهُ صبحاً ومطعمه غصبا»، ويضع الحل الذي يجب أن يكون «بيولوجياً» أيضاً في السياسة الواقعية، لكيلا يقع الإنسان فريسة: «أقوى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ» (الرماح العوالي). إذا أردت البقاء في الواقع، فإنه صراع طاقات على الطاقة. استثمارها يحتاج إلى علوم، والحفاظ عليها وعلى شعوبها يتطلب القوة الدفاعية التي تصنعها العلوم وتطورها. التقدم البشري بالعلوم مبدع جعل المخالب والأنياب قنابل نووية وصواريخ وقاذفات ودبابات. لم تقل الأخلاق والقيم يوماً إنها لا تحتاج إلى قوة تحميها.
لزوم ما يلزم: النتيجة السريالية: في الشعر العربي بحر من السياسة الواقعية، العرب هم الذين ليسوا واقعيين.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى