جديد الكتب

السيطرة الأمريكية على العالم

تأليف: دان كوفاليك

ترجمة وعرض: نضال إبراهيم

في الوقت الذي يشير فيه السياسيون والمثقفون الأمريكيون إلى وجود تواطؤ روسي مزعوم، وتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، يذكّرنا دان كوفاليك في هذا الكتاب بأن واشنطن هي التي تتدخل في انتخابات الدول الأخرى، وتتلاعب بالعمليات الديمقراطية منذ عقود، وتنفق المليارات لأجل ذلك. ويدعو في عمله النخبة الأمريكية إلى الكف عن التدخل في شؤون الدول، والإنفاق على التنمية وتعزيز الديمقراطية بشكل فعلي، بدلاً من شن الحروب في ظل هذه الشعارات.

يشير دان كوفاليك إلى أنه في الوقت الذي نجد فيه الولايات المتحدة تصف نفسها بأنّها منارة للديمقراطية والحرية في العالم، فإن تصرفاتها على أرض الواقع بعيدة كل البعد عما تنادي به. هذه التصرفات غير المنطقية بدأت في خمسينات القرن العشرين، عندما منعت الولايات المتحدة الانتخابات التي كانت ستسمح للشعب الفيتنامي بالتصويت لمصلحة دولة موحدة ولرئيس منتخب، إلى الإطاحة بالحكومات الديمقراطية في عدد من الدول، وما تلاها من تثبيت أنظمة وحشية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف.

وقوضت الولايات المتحدة الأنظمة الديمقراطية بطرق تجعل «التدخل» الروسي المزعوم (الذي يشمل إجمالاً ادعاءات بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال اختراق الكمبيوترات) تبدو كأنها مجرد لعبة من لعب الأطفال. ويوضّح المؤلف في هذا العمل تفاصيل حالات التدخل الأمريكي هذه، وكيفية إنفاق المليارات لأهداف عسكرية في دول مثل نيكاراجوا، وهايتي، وفنزويلا، واليونان، والكونجو، وهندوراس، وحتى في روسيا في الماضي القريب. ويؤكد أنه قد حان الوقت للولايات المتحدة لوقف تدخلها في الدول أخرى.

يأتي هذا الكتاب بعد المقدمة في 11 فصلاً: السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي التدخل، روسيا 1996: صناعة دولة آمنة لأجل النهب، إيران، جواتيمالا، الكونجو وأهم اغتيال في القرن العشرين، البرازيل، فيتنام، تشيلي، هندوراس (2009)، نيكاراجوا، أوكرانيا (2014)، وأخيراً ينتهي العمل بخاتمة.

مخطط السيطرة

يتطرق الكاتب في بداية عمله إلى توضيح المخطط الأمريكي بشأن السيطرة على العالم، ويحلل الطرق المختلفة التي يتدخل فيها الجهاز السياسي والعسكري الأمريكي في شؤون الدول الأخرى لتحقيق الهيمنة العالمية.

ويسعى الكاتب إلى كشف الكذبة المدمرة المتمثلة في الاستثنائية الأمريكية، بدءاً من الاحتلال الإمبريالي الأمريكي لهايتي والفلبين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. إذ يجد أن الولايات المتحدة قتلت ملايين الفلبينيين، وأوقعت كلتا الدولتين في دوامة من العنف وعدم الاستقرار والفقر، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

كما يوضح كوفاليك في ما يتعلق بهايتي، «في حين أن المبررات المحددة والمطالب لأجل التدخل (الأمريكي) تغيرت بمرور الوقت – على سبيل المثال، معارضة نهاية العبودية، وتطبيق مبدأ مونرو، ومكافحة الشيوعية، ومكافحة المخدرات، واستعادة القانون والنظام – والحقيقة هي أنها لم توقف التدخلات أبداً، وكانت النتائج على الشعب الهايتي كارثية دائماً».

ويقول أيضاً: «عندما تعرضت هايتي إلى زلزال مدمر في 2010 أودى بحياة عشرات الآلاف من الناس، كان من المفترض أن تكون استجابة الولايات المتحدة كاستجابتها لأي أزمة إنسانية، لكنها أرسلت، بدلأً من ذلك، إغاثات مدعومة بآلاف من القوات لغزو البلاد. قامت بذلك بذريعة أنها تريد طمس أي شغب جماهيري كان على وشك الحدوث في هايتي، في حين لم يكن هناك من أي شغب متوقع على الإطلاق».

ويرى الكاتب أن التوسع الأمريكي في العالم اعتمد على إيديولوجية الاستثناء الأمريكي لإسكات المنتقدين، وإضعاف القوات المناهضة للحروب الخارجية في داخل الولايات المتحدة. ويشير إلى أن هذه الاستثنائية الأمريكية تقدّم الولايات المتحدة على أنها قوة من أجل الخير في العالم، ولها ما يبررها تماماً في حروبها التي تشنّ تحت غطاء نشر «الديمقراطية والحرية» في جميع أنحاء العالم.

الاستثنائية الأمريكية

يتحدى كوفاليك الصورة الشائعة عن الاستثنائية الأمريكية من خلال إظهاره للقراء مقدار الضرر الذي ألحقته السياسة التوسعية والعسكرة الأمريكية بالدول والشعوب في كل منطقة من مناطق الكوكب. حيث عانت من سياساتها وأفعالها روسيا وهندوراس وغواتيمالا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفيتنام، والعديد من الدول الأخرى تدمّرت مجتمعاتها بسبب «التدخل الأمريكي في الانتخابات».

وفي هندوراس، على سبيل المثال، الانقلاب الذي قام به الرئيس مانويل زيلايا في عام 2009، ودعمته الولايات المتحدة جعل هذه الدولة واحدة من أخطر الأماكن في العالم للصحفيين والنشطاء، وحتى لكل المواطنين الأصليين. علاوة على أن الآلاف من الهندوراسيين نزحوا، أو اختفوا، أو اغتيلوا منذ الانقلاب.

جانب آخر مهم من المؤامرة للسيطرة على العالم كما يراها الكاتب، هو النفاق الذي يتمتع به السياسيون في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بموضوع «التدخل في الانتخابات». «فمنذ نهاية الانتخابات الرئاسية عام 2016، اتهمت فروع الجيش والسياسة والإعلام التابعة للدولة الأمريكية، روسيا بأنها تقريباً زرعت دونالد ترامب في المكتب البيضاوي. لقد تم تغذية الجمهور الأمريكي بجرعة ثابتة من الخطاب المناهض لروسيا في محاولة واضحة من جانب النخبة لقرع طبول الحرب مع الدولة المسلحة نووياً. ولم يتم تقديم أي دليل واضح لإثبات هذه المؤامرة، كما يوضح تحليل حديث للراديو الوطني العام. ومع ذلك، هناك الكثير من الأدلة على أن الولايات المتحدة من أخطر الدول وأكثرها تدخلاً في شؤون الدول الأخرى على مر التاريخ».

ويخصص كوفاليك فصلاً كاملاً للانتخابات الرئاسية لعام 1996 في روسيا التي أعادت انتخاب بوريس يلتسين الذي لم يكن يتمتع بأي شعبية. ومع سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، بدأت حقبة من «العلاج بالصدمة» في الاتحاد الروسي الذي تم إنشاؤه حديثاً حينها، وهو تعبير عن سرقة بالجملة ونقل الثروة الاجتماعية إلى أيدي القلة والشركات متعددة الجنسيات. وعانى الملايين في روسيا الوفاة المبكرة بسبب الفقدان المفاجئ للرعاية الصحية والسكن والوظائف والخدمات الأساسية الأخرى.

وفي عام 1996، أكد الرئيس بيل كلينتون أن يلتسين حافظ على قبضته شبه الكاملة على سلطة الدولة في روسيا من خلال تزويد الرئيس الروسي بفريق من المستشارين السياسيين الأمريكيين، وأكثر من مليار دولار من أموال صندوق النقد الدولي مباشرة لأجل الحملة التي قام بها. وسمح الدعم السياسي والمالي الأمريكي ليلتسين بالتلاعب بالانتخابات لمصلحته على الرغم من شعبيته المتضائلة. ويظهر كوفاليك أنه إذا كان يجب على أي شخص أن يقلق بشأن التدخل في الانتخابات، فيجب أن يكون الشعب الروسي، وليس النخب الأمريكية التي تسيطر على واشنطن.

الكونغو: حروب دموية

ينتقل الكاتب إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يرى أنه لا يزال التدخل الأمريكي منذ انقلاب ال «سي آي إيه» ضد الثوري الاشتراكي باتريس لومومبا مستمراً في الاستحواذ على الموارد الغنية للدولة، وهو بمثابة شكل من أشكال الإبادة الجماعية التي لا نهاية لها.

ويقول: «يمكن ملاحظة آثار سياساتنا اليوم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك السياسات الأمريكية الجديدة القائمة مرة أخرى على فكرة أن الولايات المتحدة هي المتفوقة في العالم بشكل ما، وهذا بدوره يساهم في تدمير حياة الشعب الكونغولي». ويستشهد بما كتبه الصحفي نيك تورس، في أغسطس/‏ آب 2018: «ما حدث في أقصى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في بداية هذه السنة كان مذبحة تجري في صمت. وتم تجاهل موجة من المجازر من قبل الرأي العام العالمي، وتضخمت الأزمة الإنسانية التي تبعتها بسبب الإهمال الدولي. كما أن أجندة إدارة ترامب التي نادت ب»أمريكا أولاً» لم يكن دورها صغيراً في هذه الكارثة، إذ إن التغير المفاجئ في الدعم الأمريكي لأجل جهود حفظ السلام في 2017 ساهمت في مجموعة من الكوارث التي مكّنت مئات المسلحين من الإقدام على القتل بدم بارد وبحصانة، مسببين معاناة مروعة وكبيرة لمئات الآلاف من النساء والأطفال والرجال».

ويجد الكاتب أن الشعب الكونغولي سيكون سعيداً أكثر من دون التدخل الأمريكي الذي لم يجلب له إلا الحروب والدماء والهجرات، والأمر يقيسه على كل الدول التي تدخلت فيها واشنطن لأجل تغيير الأنظمة ونتائج الانتخابات.

كما يمضي الكاتب في نقاشه إلى غواتيمالا، حيث أدى إسقاط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لجاكوبو آربنز، إلى مجزرة بحق ربع مليون غواتيمالي تحت رعاية العديد من الديكتاتوريات العسكرية. ويوضح لنا كوفاليك أن انتخاب جائير بولسونارو في البرازيل لم يكن انحرافاً، لأن الولايات المتحدة كانت مسؤولة بشكل أساسي عن تصاعد الفاشية في البرازيل من خلال دورها المباشر في وضع الدولة تحت سيطرة دكتاتورية عسكرية في عام 1964. كما أطاحت الديكتاتورية العسكرية بقيادة أوجستو بينوشيه المدعوم من ال»سي آي إيه» بالزعيم التشيلي المنتخب ديمقراطياً سلفادور أليندي في عام 1973، حيث تحوّلت الدولة الاشتراكية إلى دولة قمعية ومستبدة.

أدوات الهيمنة

ويستعرض الكاتب الهيكل الكامل للدولة العسكرية الأمريكية وأساليبها في السيطرة على العالم. إذ يرى أن الدولة العسكرية الأمريكية تستخدم مجموعة من الأدوات للإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطياً، والتي تعتبرها تهديداً مباشراً على مصالح الشركات. وتشمل هذه الأدوات وكالات المخابرات الأمريكية بكافة أشكالها، أو ما تسمى المنظمات غير الحكومية مثل الصندوق الوطني لتمكين الديمقراطية، وفروع الجيش المختلفة، على سبيل المثال لا الحصر. ويقول: «وبغض النظر عن الأدوات المستخدمة، فإن المهمة هي نفسها دائماً: زعزعة الاستقرار في الدول المستقلة التي ترفض الخضوع لإملاءات الإمبريالية الأمريكية. لذلك، في الوقت الذي تمتلك فيه نيكاراجوا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفيتنام تاريخاً فريداً من نوعه، نجد أن التطور السياسي لديها تشكّل بفعل التدخل المدمر للولايات المتحدة».

ويرى الكاتب أن أحد الأسباب التي تجعل اليسار في الولايات المتحدة ضعيفاً للغاية هو أنه تم عزله بفعل أكاذيب الإمبراطورية. كما يشير إلى أن تفوق البيض هو أكبر كذبة على الإطلاق، وهو جزء لا يتجزأ من إيديولوجية الاستثنائية الأمريكية. ويضيف: «على الرغم من كل شيء، فإن العديد من الأمريكيين ما زالوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر استثنائية في العالم، ولا تشهد من يعيقها عندما تشن حربها العسكرية في الخارج على حساب دولارات الضرائب الأمريكية والمستوى المعيشي لحياة المدنيين. لقد حرصت الإمبريالية الأمريكية على أن يشعر الأمريكيون بأنهم مستعمِرون يتمتعون بخصوصية عن غيرهم، ويرون أن ضحايا الدولة العسكرية الأمريكية هم متوحشون يستحقون الذبح..».

ويربط هذا الكتاب بين الكفاح ضد الإمبريالية الأمريكية واحتياجات الطبقة العاملة والمضطهدة التي تعيش في قلب الإمبراطورية، ما يجعله مهماً لأولئك الذين سئموا وتعبوا من الرواية السائدة للاستثنائية الأمريكية، ويريدون أن يكونوا مسلحين بالمعرفة، وهذا أمر ضروري نحو تغيير السياسات الراهنة التي تؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية الأمريكية والدول التي تقرّر الولايات المتحدة شنّ حروب ضدها، أو تستخدم أرضها كساحة للصراعات الدولية.

نبذة عن الكاتب

دان كوفاليك كاتب ومحام وناشط حقوقي من الولايات المتحدة يدافع عن القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وقضايا السلام في العالم واضطهاد العمال، وهو معادٍ للإمبريالية بشكل صريح، ومؤلف لثلاثة كتب في هذا السياق، وهو من مواليد 1968، يقيم ويعمل في الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى