السينما وجدل التدين والتطرف
لم تكن السينما والدراما بعيدة عن قراءة ظاهرة الإرهاب، ومواجهة هذه الظاهرة، ثم تقديم الروشتة العلاجية للمتطرفين، فأما الدراما في مصر فقد قدمت ذلك بوضوح في الجزء الرابع من المسلسل المصري الشهير «ليالي الحلمية» للكاتب أسامة أنور عكاشة سنة 1992 في إطار حديثه عن تغيرات صاحبت المجتمع المصري خلال حقبتى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
وأخذ التوجه الدرامي لمقاومة الإرهاب شكلاً أكثر واقعية منذ عام 2017، وقُدمت مسلسلات من نوعية «وضع أمني»، «أرض جو»، «كلبش»، «نسر الصعيد»، «أمر واقع»، و«أبوعمر المصري»، وهى مسلسلات تعرضت لجوانب أكثر تفصيلية من أفكار الجماعات الإرهابية، وتصوراتهم للحياة والمرأة والحريات والآخر.
وبدعم لا محدود من الدولة تم صناعة «مسلسل الاختيار» في أجزائه الثلاثة، التي كانت عبارة عن توثيق لكل ما جرى في فترة حكم الإخوان وما بعدها، وخطاب الإرهابيين التقليدى الخاص بتكفير الشرطة ومؤسسات الدولة. أما في مسلسل «هجمة مرتدة» فإن الربط بين أجهزة الاستخبارات المعادية وظاهرة الإسلام السياسي بدا ممنطقاً، وإن لم يتعرض بشكل مباشر للأفكار المؤسسة للإرهاب أو حاول الرد عليها، وهناك مسلسلات قدمت نموذج المتدين المتطرف باعتباره بداية طبيعية لشخصية الإرهابي، مثلما فعل مسلسل «لعبة نيوتن» رابطاً بين الانغلاق الاجتماعي وأفكار المتشددين دينياً.
سنلاحظ في التناول الدرامي المصري للفعل الإرهابي، وإدماج المتطرفين في مصر، أن هذه النماذج الدرامية اكتفت بالحكي وسرد الأحداث دون توغل فعلى في استقراء الفكر القائم عليه تيار الإسلام السياسي، وعدم السعي لتحليله والرد عليه بصورة تقرب الفكرة للجمهور، إضافة إلى أن هذا التناول أخذ اهتماماً متدنياً بالمقارنة بقضايا شائكة أخرى.
بدأت سلسلة هذه الأفلام التي تناقش هذه الظاهرة بفيلم (الإرهاب)، من إنتاج العام 1989، وقدمت فيه بطلة الفيلم نادية الجندي دور الصحفية «عصمت» التي تتعاطف مع «عمر» وأدى دوره فاروق الفيشاوي، المتهم بعمليات إرهاب ضد أحد الوزراء وسفراء عدد من الدول، ولكنها تشعر ببراءته وتساعده، حتى إنها تتوجه لمؤتمر دولي، حاملة هدية بها قنبلة أراد بها عمر تفجير طائرة على متنها وزراء، لكنها تكتشف ذلك عن طريق الصدفة، ولم يكن هناك أهداف واضحة لتنفيذه لهذه العمليات الإرهابية، ولم يتطرق الفيلم مطلقاً لأسباب سلوك عمر هذا المنحى.
فيلم (انفجار) ظهر العام 1990، من إخراج سعيد مرزوق، يتناول شخصية «صديق» المنتمي لإحدى الجماعات الإرهابية، ويقوم بعمل تفجيرات واختطاف لعدد من الرهائن، ولم يطرح العمل أسباب ذلك ولماذا انتهج هذا الفكر، وبعده ظهر فيلم (الخطر) 1990، إخراج عبداللطيف زكي، بطولة كمال الشناوي ومعالي زايد، ويحكى عن مها البحراوي التى يدفعها اليأس من ظروفها الاجتماعية للانضمام إلى مجموعة إجرامية، فتقوم بقتل صحفي وخطف أطفال، والفيلم أيضاً لم يوضح أهداف العمل الإرهابي الذي أقدمت عليه المجموعة.
أما فيلم «الناجون من النار» الذي عُرض العام 1996، بطولة عمرو عبدالجليل، طارق لطفي، فهو يحكى عن عبدالسلام، الذى ينضم لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة في أثناء دراسته للطب، وأثناء عملياتهم الإرهابية يواجه أخاه الضابط الذي تطلب الجماعة منه اختطافه لتبادله بعد ذلك مع رموز من الجماعة.
توالت الأفلام بعدها، ففي العام 1999 عُرض فيلم «الآخر»، من إخراج وتأليف يوسف شاهين، ومن بطولة هاني سلامة، و«أمن دولة» في العام نفسه، إخراج نادر جلال، وبطولة نادية الجندي ومحمود حميدة، وفيلم «دم الغزال» (2006)، تأليف وحيد حامد، وبطولة نور الشريف، وفي فيلم حين ميسرة (2007)، إخراج خالد يوسف، عرض لكيفية نشأة هذه الجماعات، وأن العشوائيات هي من دفعت هذه العناصر لاتباعها، وقدّم عادل إمام في هذه الفترة فيلمه (الإرهاب والكباب)، ثم فيلم (الإرهابي) وعبّر عن وجهة نظر الحكومة قبالة هذه الأفكار، وشجع آخرين لتقديم هذه النوعية، وهو ما جوبه بتهديده بالاغتيال، وبأوامر عبود الزمر، قررت مجموعة بقيادة محمد كروم القيام بالعملية، وتم القبض عليهم قبلها بأيام.
في العام 1992 تناول فيلم «الإرهاب والكباب»، الظاهرة بشكل لا علاقة له بما يجرى على أرض الواقع، وهو كيف أنّ مواطناً (عادل إمام) يعجز عن حل عقبات إدارية تواجهه، فيخطف سلاحاً من أحد الجنود، ويحاصر موظفين، إلى أن يأتي الأمن ويتفاوض معه، ولا يجدون له مطلباً سوى أكل الكباب! وصوّرت السينما الجناح المسلح من تلك الجماعات، وقد رأيناهم في ثلاثة أفلام هي: «الإرهابى» لنادر جلال 1994، و«طيور الظلام» لشريف عرفة 1995، ثم «الناجون من النار» لعلى عبدالخالق.
أما المجابهة في فيلم «طيور الظلام» فقد بدت من خلال ذلك المحامى الذى يقوم بتمويل الجماعات المسلحة، وتنظيم عمليات اغتيال لرجال الشرطة، والمجابهة هنا مع كل الأطراف، فالفيلم يرى أن كافة الطوائف بها فئات فاسدة، مثل الوزير المتسلق. والجهاز الإدارى في الوزارة، وأيضاً في تكوين الجماعات التى تتستر بالدين من أجل الاستيلاء على السلطة.
نقلا عن الوطن