قضايا ودراسات

الشارقة في مهرجان الكتاب

د.عبدالعزيز المقالح

للشارقة يد بيضاء على الثقافة العربية في هذا الظرف العصيب من تاريخ الأمة، وبعد أن اختفت منابر الإبداع التي كانت تشع في أكثر من قطر عربي ، وتحول بعض هذه الأقطار إلى ساحات للحروب، أو إلى خرائب تحاول التخلص من آثار الحروب. وشيء جميل أن يبقى في الوطن العربي مركز إشعاع يحافظ على ضوء المعرفة من أن يطمسه الظلام الذي تحمله الرياح من بلد إلى آخر .
ودور الشارقة الريادي والقيادي لا يتوقف عند معارض الكتاب التي فاقت في مستواها وحضورها ما عرفته العواصم العربية في سنوات المجد والتوجه الحيوي، فقد صار هذا البلد متنفساً للأنشطة الثقافية من ندوات ومؤتمرات ومن إصدارات لسلاسل من الكتب لا تتوقف في مختلف مناحي المعرفة علمية وأدبية وفكرية، إضافة إلى المجلات الشهرية التي تغطي جانباً مهماً من الشأن الثقافي العام ، بأقلام عشرات الكتّاب والمبدعين الذين ينتمون إلى كل الأقطار العربية تقريباً في لقاءات تضمن وحدة الثقافة، وتؤكد حيوية استمراريتها، وأنها قادرة على أن تتغلب على الظرف الصعب الحالي والنظر إليه كموجة عابرة .
لقد كان في مقدورنا قبل أن تهب رياح الفوضى والحروب أن نقرأ آخر الإصدارات التي يتم نشرها في المغرب والجزائر ، وكانت بغداد لا تكف عن إمداد الساحة العربية بكل جديد، ومثلها دمشق وبيروت الحاضنة الأولى لنشر المعرفة ، لكن الأحداث لم تنجح في تدمير البنى التحتية فقط بل نجحت كذلك في هزيمة الثقافة وإغلاق منابرها ذات التأثير الشامل.
وليس غريباً بعد ذلك أن تصاب الحياة الثقافية بالإفقار ويبقى الاهتمام محصوراً في الحفاظ على حياة الإنسان وما تبقى من معالم مادية من الاندثار . وبما أن أعداء الوطن العربي – وهم والحمد لله من الكثرة بمكان- في أقصى حالات السعادة بما يحدث وإذا كان ما يتعرض للتخريب من الأشياء المادية يسهل إعادته وإصلاحُه، فإن تخريب الثقافة يصعب إصلاحُه ولو بعد زمن طويل.
ومن هنا فإن الدور النبيل والعظيم الذي تقوم به الشارقة في زمن الإفلاس الثقافي الشامل سيبقى محل تقدير من المثقفين العرب كافة ، ولن تنساه الأجيال. ومن حسن الحظ أن يأتي هذا الدور وما يرافقه من أنشطة ثقافية من بلد هو محل إجماع حول نواياه الصادقة. وهو ما يمكنه من أداء هذا الدور دونما شك أو إحراج.
ومما هو جدير بالإشارة، أنه لا يكاد يمر يوم على الشارقة لا يكون فيها نشاط أدبي أو فكري ما ، وهي بذلك تسعى إلى سد العجز الكائن في الواقع العربي وما يعانيه من أحداث لا تدع مجالاً لإصدار كتاب أو قراءة كتاب أو إقامة ندوة حول قضية فكرية .. تحية للشارقة العضو الصحيح في الجسد العربي العليل.

abdulazizalmaqaleh@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى