الشياطين الخرس

خيري منصور
بالرغم مما حققه كتاب ومبدعون من إنجازات فنية وأدبية، إلا أنهم فوتوا على أنفسهم إلى الأبد فرصة الشهادة على أحداث زمانهم، ومنهم الروائي الفرنسي فلوبير صاحب رواية «مدام بوفاري» الشهيرة، والذي اعترف قبل رحيله بأنه هو مدام بوفاري، لكن باسم مستعار، وكانت أيام فلوبير تعج بالأحداث الجسام الفاصلة، لكنه لم يأبه بها وأدار ظهره إليها ما دفع كاتباً مثل سارتر إلى القول بأن فلوبير أضاع فرصة تاريخية وأخلاقية لا يمكن للإبداع وحده أن يحققها أو يعوضها.
وهذا أيضاً ما قاله الشاعر الألماني برتولد برخت وهو أن الأجيال القادمة سوف تتساءل حين تقرأ عن كل هذا الدم وهذا الدمار أين كان المثقفون؟
وبدورنا نتساءل أين هم المثقفون العرب من كل ما يجري الآن في أوطانهم؟ وأين رواياتهم وأشعارهم ورسومهم وموسيقاهم التي تشهد على هذه المذابح والقبور الجماعية؟ ولماذا يثرثرون عبر مختلف المنابر في السراء ثم يلوذون بالصمت في الضراء؟ وهل هناك في التاريخ كله ما هو أشد فظاعة من هذه الضراء التي نعيشها؟
وبالطبع ليس المقصود بذلك أن يتحولوا إلى أبواق لهذا الطرف أو ذاك، أو أن يكونوا مع هذا النظام أو غيره، بل المقصود هو دورهم التنويري وقراءاتهم الخاصة لما يحدث بمعزل عن كل ما يجري من استقطاب وتجاذب ومساجلات مجانية!
ونحن عندما نقرأ عن كوارث ألمت بأجدادنا عبر مختلف الأزمنة يدهشنا صمت من انصرفوا إلى التعبير عن أنفسهم واسترضاء نرجسيتهم مقابل آخرين لحفظ عن ظهر قلب كل ما كتبوا شعراً ونثراً.
وقد تكون بعض عواصمنا العربية شهدت تراجيديات لا تقل عن مأساة غورنيكا الإسبانية في الحرب الأهلية، والتي خلدها بابلو بيكاسو بلوحة معروفة في النطاق الكوني.
إن مفاهيم كالعدالة والحرية والجمال ليست مجردة أو يمكن لأحد أن يكتب عنها بمعزل عن نقائضها من ظلم وقبح وطغيان!
فأين ذهب ثرثارو السراء عندما حاصرتنا الضراء من كل الجهات؟