الصراع الروسي الأوكراني….تداعيات تهدد تماسك الإتحاد الأوروبي
جمال الأسود
يتألف الإتحاد الأوروبي من ثلاثة أصناف من الأنظمة والدول، فهناك دول مؤسسة تستميت في الدفاع عن تماسك الإتحاد مثل فرنسا وألمانيا، ودول تميل إلى الحيادية في المواقف الدولية مثل ايطاليا واسبانيا، ودول ثالثة حديثة الانخراط في الإتحاد كبعض دول أوروبا الشرقية التي هي في أمس الحاجة إلى الدعم، ومن مبادئ الإتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية للإتحاد دفعة واحدة أو بالتدريج، بينما يدرك المجتمع الدولي مقدار التغير الذي يحصل الآن على مستوى العلاقات الدولية، وأنه باستثناء الدفاع عن دولة ذات سيادة بشكل واضح، فإن الدفاع عن تكتل مجموعة دول يخضع إلى كثير من الحساسيات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والعرقية أمر غير مضمون العواقب، ثم لم يعد للكاريزما وجود على مستوى الحكومات والأنظمة في أوروبا، إذ لم يعد هناك هلموت كول أو ميتران أو تاتشر يمكنه استخدام الدهاء السياسي في التعامل مع تداعيات حدث بحجم الصراع الروسي الأوكراني، كما أن هذه الكاريزما تغيب أيضا في أوساط صناع الرأي والمفكرين، وزعماء المجتمع المدني والسياسي في أوروبا، إذ لم يعد هناك في بولندا التي فتحت الحدود والثكنات ليش فاليسا الذي أخذته الجماهير من مكتب النقابة إلى كرسي الرئاسة، بعد تبادل لكمات مع مدير مصنع، وليس هناك جون بول سارتر الفيلسوف الفرنسي الكبير الذي رافق الجماهير الحاشدة لإسقاط شارل ديغول زعيم فرنسا التاريخي، ولا يبدو على الأحداث في أوكرانيا أن لها تأثير ملموس على ضمير الشارع الأوروبي، بالنظر إلى مستوى الوعي السياسي والاجتماعي في جانبه الإنساني ومناهضة الحروب، هذا إذا استثنينا تغريدات الهاشتاغ ابن ترندينغ، وهبة الأيام الأولى لبداية الصراع، وقد انطفأ الزخم الإعلامي أيضا، وكان واضحا منذ بداية الصراع أن المحور الثلاثي – فرنسا ألمانيا بريطانيا – يعمل منفردا في التواصل مع روسيا، بينما تتعامل بولندا مع الأوكرانيين مباشرة، ورغم مواسم الحرج التي مرت بها بريطانيا أثناء إجراءات الانفصال عن الإتحاد الأوروبي، فإن أواصر الترابط الحميم معه لا تزال قائمة، ورغم اتهام الانجليز بالشوفينية من طرف زعماء الإتحاد، فإن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسن كان الضحية الأبرز في أوروبا لأزمة تزامنت والصراع في أوكرانيا، وفي دفاعهم عن سمعة ومبادئ الإتحاد الأوروبي لم يكتف زعماء دول هذا المحور بالدعم السياسي، بل أمطروا أوكرانيا بالدعم المالي والعسكري، ثم اتضح لهم أن جبهة الصراع لا تنفع معها شعرة معاوية أو سيف الحجاج، وأن إطالة أمد الصراع سيأتي بأحد الحلول الأقل ضررا وتكلفة من المواجهة، كما يراه بنفس النظرة جناح واسع في الإدارة الأمريكية، وفي ايطاليا ثارت مجموعة من النواب في وجه رئيس الحكومة دراغي، واتهموه بتمويل حرب أوكرانيا على حساب لقمة عيش المواطن الإيطالي، ودفعوه إلى الاستقالة، وعبر الروس عن بهجتهم بهذا السقوط المدوي لزعماء حكومات الإتحاد أو لزعماء يدعمون أوكرانيا، وهو مؤشر خطير على تماسك الاتحاد إذا تكرر، حيث أن معظم نواب البرلمانات في أوروبا يؤدون تمثيلا حقيقيا لشعوبهم، وهذه الأحداث الداخلية جعلت بقية زعماء الإتحاد يتوجسون خيفة من هبة شعبية في الشارع الأوروبي، يتنصل فيها من الصراع الروسي الأوكراني جملة وتفصيلا، وقد دخلت حرب الطاقة على الخط، ما يجعل التفكير في حسابات الربح والخسارة أولى الأولويات، وتستثمر روسيا في حاجة الإتحاد إلى الطاقة، وفي اختلاف الأنظمة السياسية داخل الإتحاد الأوروبي، كمعارضة المجر لبعض قرارات الإتحاد، وذلك أيضا خطر على وحدة القرار لو استمرت الأزمة الأوكرانية طويلا، كما تستثمر في المواقف الجامدة للشارع الأوروبي ومجتمعه المدني في مناهضة الحرب، وهاهم الألمان يهددون حكومتهم بالخروج إلى الشارع، يطالبون بحلول لأزمة الطاقة، ومع مرور الوقت سيشاطرهم مواطنو الإتحاد الأوروبي الموقف نفسه، لأنهم أدركوا قبل ساستهم أن استيراد التبعية يجب أن يتوقف، فهو أخطر على تماسك الإتحاد من كل جبهات الصراع.