مقالات عامة

الصين والزعامة المفتوحة

يونس السيد

هل كان صعود الصين إلى القطبية العالمية يحتاج للعودة إلى الزعيم الأوحد والنظام الشمولي للإمساك بدفة الأمور؟، على غرار ما كان سائداً في حقبة ماو تسي تونج، قبل أكثر من أربعين عاماً، أم أن التحديث والتطورات العالمية المتسارعة، باتت تفرض على الصين تكريس زعامة رجل قوي مدى الحياة؛ لمواكبة هذه التطورات والرد على كل التحديات؟.
غير أن السؤال الذي يتبادر للذهن، هل الديمقراطية لا تستطيع تلبية الاحتياجات المطلوبة في مجتمعات معينة كالصين التي يبلغ عدد سكانها نحو خمس سكان العالم؟، أم أنها تبقى مجرد ديكور وديمقراطية شكلية في ظل هيمنة تحالف «الحزب القائد»، والمؤسسة العسكرية على مختلف أوجه الحياة في البلاد.
المتحدث باسم مجلس الشعب (البرلمان) الصيني تشانج يسوي، برر انتخاب الرئيس شي جين بينج زعيماً مدى الحياة، بأنه يهدف إلى «توحيد القيادة»؛ أي مواءمة الرئاسة مع منصبَي الأمين العام للحزب، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية (الجيش)، علماً بأن ولايتهما ليست محددة بفترة معينة، معتبراً أنه على «الدستور أن يتأقلم مع المتغيّرات، وأن يتضمّن تجارب جديدة، ويعكس إنجازات جديدة، ويضع توجيهات جديدة لتبقى ذات صلة».
بهذا المعنى، يترتب على الدستور أن يتطور وليس إخضاع التطورات للدستور؛ أي أن يضع نفسه في خدمة الحزب، وهذا ما حدث بالفعل عندما أجرى البرلمان تعديلاً دستورياً يسمح للرئيس بالبقاء في منصبه فترة غير محددة، لكن ذلك أثار مخاوف كثيرين في الداخل من العودة إلى حقبة ماوتسي تونج، وهيمنة «عصابة الأربعة»، وما رافقها من فوضى إبان الثورة الثقافية، التي انتهت إلى السجن عقب وفاة ماو.
أما في الخارج، فقد لقيت الخطوة تفهماً لدى بعض الدول (روسيا مثلاً)، ونوعاً من السخرية في دول أخرى كالولايات المتحدة، حيث علق ترامب مازحاً: «رئيس مدى الحياة.. أعتقد بأنه أمر رائع. ربما يجب أن نحاول ذلك يوماً»، لكنه استدرك مشيداً بشي بوصفه «رجلاً مهذباً عظيماً»، قبل أن يضيف: «إنه أقوى رئيس صيني منذ مئات السنين».
لا شك في أن الصين التي نجحت في تكريس نفسها قطباً عالمياً أساسياً في الساحة الدولية، بعد أن تمكنت من بناء قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، تتطلع إلى المزيد من النجاحات وتدعيم هذه الركائز، لمواجهة التحديات الجديدة، وعلى رأسها الحروب التجارية القادمة، التي تسعى إدارة ترامب لفرضها على الساحة الدولية، لكن من المؤكد أن بناء الديمقراطية ودولة المؤسسات، قد يعطي الصين مزيداً من القوة في مواجهة كل التحديات.

younis898@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى