مقالات عامة

الصين والهند وجدلية الصراع

محمد خليفة

ليس ثمة أغرب من حالة الصين والهند في العالم، فهاتان الدولتان ترتبطان بتحالف راسخ لمواجهة الهيمنة الغربية على القرار الدولي؛ وذلك عبر تجمع «بريكس» الذي يضم بالإضافة إليهما كلاً من، روسيا، وجمهورية جنوب إفريقيا، والبرازيل، لكن الدولتين في الوقت عينه، مختلفتان وبينهما مشكلة حدودية عصية على الحل، قد تجرهما، إذا احتدم الصراع، إلى حربٍ نووية. ففي أوائل شهر يوليو/‏تموز 2017 حدثت ملاسنة كلامية بينهما، كادت تقود إلى نشوب الحرب، وذلك عندما دخلت شاحنات البناء الصينية، يرافقها جنود صينيون إلى الجنوب في منطقة «دوكلام» المعروفة في الصين باسم «دونجلانج»، لشق طريق فيها ما أثار احتجاجاً من بوتان حليفة الهند، والتي يوجد على أرضها قوات هندية، وقد تدخلت هذه القوة لوقف حفر ذلك الطريق، وكاد أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك عسكري.
وتعتبر الهند بوتان منطقة تابعة لها، وتدعي الصين ملكيتها لها أيضاً، ويسعى الصينيون إلى مد خط سكة حديد ليصل إلى «ياتونج» في وادي «تشومبي»، والمقصود من ذلك هو الحد من حركة الهند في الوادي حيث تتمركز قواتها فوق أكتافه الشرقية.
وتسعى الصين من خلال توغلها في المنطقة، إلى الحصول على عمق استراتيجي لها في الوادي، وهو وادٍ ضيق للغاية، في منطقة جبلية شاهقة الارتفاع على كلا الجانبين، ويوجد في قلبه ممر يدعى «رقبة الدجاج»، يربط أراضي الهند الرئيسية مع ولاياتها الشمالية الشرقية النائية.
وفي الحقيقة فإن وصول الجيش الصيني إلى هذا الممر سيمكنه من التحكم بالوادي من على سفوح تلك الجبال، ويضعف، بالتالي، موقف الهند من التلال إلى الغرب على طول حدود «سيكيم – التبت». وهذا سيعطي الصين حماية أفضل نسبياً ضد الهجمات المسلحة الهندية في حال وقعت حرب بين الدولتين في المستقبل.
وكانت المنطقة المتنازع عليها قد تسببت في نشوب حرب دموية عام 1962، وانتهى الأمر بقيام الصين بالسيطرة على بعض الأراضي. ولا تزال قوات من كلا الجانبين تقوم بدوريات دورية في مناطق أخرى لا تحمل علامات عليها، وتبلغ مساحة هضبة دوكلام 269 كيلومتراً مربعاً، وهي هضبة قليلة السكان في غرب بوتان، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وتنسق علاقاتها مع بكين عبر نيودلهي. لكن النزاع حول دوكلام هو جزء من نزاع أوسع على مناطق أخرى في جبال الهيمالايا أيضا، تشمل 90 ألف كم مربع تطلق عليها الهند «أراتشال براديش»، أما الصين فتسميها «التبت الجنوبية».
ورغم أن الهند والصين قد أعلنتا في 28 أغسطس/‏آب الاتفاق على تسريع سحب القوات من هضبة دوكلام، بعد مرور نحو شهرين من وجود حالة تأهب تام، لكن ذلك لن يحل جذر المشكلة، فالدولتان مدعوتان إلى حوار صريح وودي حول المناطق المتنازع عليها، إن كانتا راغبتين في منع وقوع حرب مدمرة بينهما. ورغم أن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا قد ابتعدت عن الخوض في هذا النزاع؛ لأنها تريد الحفاظ على علاقة جيدة مع هذين العملاقين الآسيويين، لكن هذه القوى، لن تبقى مكتوفة الأيدي إذا وقعت حرب فعلية بين الدولتين، وهي ستختار الوقوف، إما مع الصين أو الهند، ويبدو أن روسيا ستميل نحو الصين؛ لأن بينهما تحالفاً استراتيجياً ضد الهيمنة الأمريكية والغربية في العالم، كما أن الصين أكبر مستورد للغاز والنفط من روسيا، وهناك حدود مشتركة بينهما، وتدرك روسيا جيداً أن الولايات المتحدة لن تتركها وشأنها في حال تم القضاء على القوة الصينية، ولذلك فهي ستقاتل بكل قوتها لمنع الصين من خسارة الحرب.
وعلى الرغم من قوة العلاقة بين روسيا والهند، لكن الدولتين لم تبرما تحالفاً استراتيجياً بينهما، لأن الهند تحافظ على علاقات قوية أيضاً مع دول الغرب، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ومن خلفها دول الغرب الأخرى، فإن هذه الدول ستختار الوقوف إلى جانب الهند، لأن الصين هي خصم استراتيجي بالنسبة لها، وهناك ملفات شائكة كثيرة بين الجانبين، أهمها الصراع في شبه الجزيرة الكورية، والصراع على بحر الصين الجنوبي، والصراع في ميادين التجارة والاقتصاد؛ حيث بدأت الصين تتفوق على الغرب في هذين المجالين، وتعلن نفسها كقوة عالمية عظمى، وبالتالي فإن دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ستكون مستعدة لتقديم كل مساعدة عسكرية ممكنة للهند في أي مواجهة عسكرية لها مع الصين؛ لدحر هذه الأخيرة، وإجهاض قوتها العالمية بشكل كامل.

med_khalifaa@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى