غير مصنفة

الطفولة الملغومة

عبد الحسين شعبان

عشية الاحتفال العالمي بيوم الطفل (20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017) أصدرت منظمة «اليونيسيف» تقريراً بشأن الطفولة، ذكرت فيه أن نحو 180 مليون طفل في 37 دولة يعيشون في فقر مدقع، أو أن أوضاعهم ستزداد سوءاً، وقد يضطرون إلى ترك مقاعد الدراسة، أو يتعرضون لأعمال عنف قد تؤدي إلى قتلهم. وأجرت «اليونيسيف» مقارنة بين أوضاعهم الراهنة قبل عقدين من الزمان، فأشارت إلى أن معاناة أطفال اليوم أكثر من أطفال الأمس.
وإذا كان الأطفال في البلدان المتقدّمة أقرب إلى الطبقة «الأرستقراطية» لتأمين مستلزمات حياتهم وحقوقهم ومستقبلهم، فإنهم في منطقتنا هم الأكثر معاناة من أطفال مناطق العالم الأخرى، بسبب الحروب والنزاعات المسلحة وتفشّي أعمال العنف، وازدياد وتيرة الإرهاب الدولي، وارتفاع نسبة التعصّب والتطرّف، ولاسيّما في العقود الأربعة الماضية.
يكفي أن نذكر مأساة الأطفال الفلسطينيين المستمرّة جرّاء الاحتلال والعدوان، والتهجير، والحرمان المتعدّد الوجوه منذ نحو سبعة عقود من الزمان الذي مارسته الصهيونية على نحو لا إنساني، وروتيني، وبالضد من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، خصوصاً حقوق الأطفال. ونستعيد معاناة أطفال العراق المستمرة والناجمة عن الحروب والنزاعات الداخلية والخارجية، فالحرب العراقية- الإيرانية وحدها دامت ثماني سنوات، والحصار الدولي الذي هو حرب ناعمة أشدّ خطورة وأكثر مكراً استمر أكثر من 12 عاماً، وقد أجابت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة في حينها على سؤال لبرنامج حواري معها (60 دقيقة) هل يستحق موت أكثر من نصف مليون طفل كل ذلك ب:نعم.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق اندلع العنف على مصراعيه، وكان الأطفال أول الضحايا، وأكثرهم تأثّراً، لاسيّما باستشراء الطائفية وانتشار الميليشيات وشيوع ظواهر التعصّب والتطرّف والغلو ومعها انتشرت الشعوذات، وأعمال السحر، وكل ما له علاقة بالتخلّف الذي يمكن أن يوفر أرضية لانتشار الفكر الإرهابي، خصوصاً في ضعف الدولة. وإذا كانت هزيمة «داعش» العسكرية قد تحققت فإن بيضه يمكن أن يفقّس عند أي منعطف طالما توجد هناك بيئة حاضنة له. ولعلّ الدعوات لتزويج الطفلات في سن التاسعة، وإلغاء ما حصلت عليه المرأة من مكاسب منذ العام 1959 في محاولة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، ليس سوى الإمعان في تدمير معنى الطفولة، وتشويه مفهوم الزواج.
ولعلّ حال الطفولة في سوريا وليبيا واليمن وجنوب السودان والصومال، ليس بأحسن حال من العراق، بل إن بعضها أسوأ بكثير، حيث تتعاظم معاناة الأطفال وترتفع أعداد اللاجئين والنازحين وتستمر الاحترابات وأعمال العنف وينتشر السلاح، خصوصاً في ظلّ شحّ فرص التعليم، واضطرار العوائل إلى إرسال أطفالها إلى سوق العمل دون السّن القانونية، حين يتم استغلالهم في الكثير من الأحيان، ويستخدمون دروعاً بشرية ويزجّون في المعارك ويتدرّبون على السلاح، ويعيشون في حالة خوف، وهلع، وعدم اطمئنان وأمان، فضلاً عن انعدام السلام والأمن المجتمعي.
وفي بلدان الصراع تزداد الوفيات، حيث تدير العديد من البلدان ظهرها لتطبيق اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الثلاثة الملحقة بها، الأول الخاص بحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والمشاركة في الصراع المسلح، والثاني يؤكد على عدم مشاركة الأطفال دون سن الثامنة عشرة بالنزاعات المسلحة، والثالث يشدّد على موضوع الاتجار بالبشر وتنعدم فرصة توفير الحد الأدنى من الحماية الضرورية للأطفال، ومراعاة الطفولة التي تتعرّض إلى المعاملة السيئة والاستغلال بكل أشكاله، بما فيه الجنسي والعنف بجميع مظاهره وصوره. وإذا كان الأطفال هم مستقبل شعوب المعمورة، فإن عدم توفير الحدّ الأدنى لهم ولعوائلهم وللمجتمع في العيش الكريم وانتشالهم من واقع الفقر والمرض والجهل، سيؤدي بهم إلى أن يكونوا قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، خصوصاً أن فيروس التعصّب يمكن أن يصيبهم بسهولة، ويؤدي بهم إلى التطرّف، وهذا الأخير لو انتقل من التنظير إلى التنفيذ سيصبح إرهاباً يتجاوز مفهوم العنف.
وإن لم يستنفر الضمير العالمي لحماية الطفولة والأمومة وتمكين المجتمع من الحصول على الحد الأدنى لحقوقها، فإن مثل تلك الظواهر يمكن أن تستفحل في ظل أوضاع الإحباط واليأس وانعدام الأمل، خصوصاً بفقدان الحماية الضرورية، الأمر الذي يتطلّب من المجتمع الدولي العمل على كل ما من شأنه توفير الحماية اللازمة للأطفال، ولاسيّما حقهم في الحياة والعيش بسلام وأمن وكرامة، إضافة إلى حقهم في التعليم والصحة، ومع كل ذلك حقهم في أن يعيشوا كأطفال تضمن لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي حقوقاً ثابتة وأساسية ولا يمكن التنكّر لها تحت أي حجة أو ذريعة، سواء وقت السلم أو وقت الحرب.
وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أوصت في العام 1954 جميع البلدان بتخصيص يوم عالمي للطفل لجعل التواصل والإخاء والمحبة جسراً بينهم، من جهة، ومن جهة أخرى للتذكير بأهمية توفير الحماية لهم، فإنه في منطقتنا ينبغي تخصيص أيام العام بكاملها لمعالجة أوضاعهم القاسية، ولاسيّما في بلدان النزاع، أو ما بعده.

drhussainshaban21@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى