الطفولة المهدورة
خيري منصور
رغم كل صيحات التحذير وتوصيات المؤتمرات الدولية حول ما تتعرض له الطفولة من إهدار واستباحة، إلا أن الإحصاءات عن عدد الضحايا منهم في تصاعد، سواء في بؤر التوتر والنزاعات أو في جوارها ومحيطها.
ولكي لا تبقى مثل هذه المواقف في النطاق الأخلاقي الممنوع من الصرف ميدانياً، على البالغين في هذا العالم أن يدركوا بأن المستقبل كله أصبح في خطر؛ لأن هؤلاء الأطفال هم القادمون منه، والذين يدفعون ثمن ما ضَرَسَه الآباء من حصرم وحصى!
وما يتعرض له الأطفال من انتهاكات شمل كل الأبعاد الإنسانية بدءاً من التشريد والتجويع والتشغيل حتى القتل، إضافة إلى تعرض عشرات الملايين منهم لأوبئة ظن البشر أنهم ودعوها مع الألفية الثانية. وإذا استمرت الحال على ما هي عليه أو ارتفعت وتيرة الانتهاك فإن من حق أي طفل في هذا الكوكب أن يصرخ كما صرخ الطفل البليغ لا البالغ في رواية أندرسون الشهيرة ليقول إن الأباطرة كلهم عُراة، وأن ما يتخيله الذين يزعمون بلوغ الرشد ليس سوى أوهام وأضغاث أحلام!
إن الإحصاءات حول ما تتعرض له الطفولة من استباحة بلغت حداً كارثياً، وقد يكون وراء هذه الأكمة ما هو أشد فظاعة؛ لأن الإحاطة بمشهد الطفولة على مستوى العالم كله أمر غير ميسور لأذكى الحواسيب وأكثر المنظمات والجمعيات ادعاءً بالوصاية على الطفل والسهر عليه!
وإذا تصور البعض أن تخصيص يوم في العام للطفل يكفي لتحقيق توازن أخلاقي فذلك بحدّ ذاته جريمة تضاف إلى قائمة الجرائم التي تلحق بالأطفال. فالمسألة لا تقبل مثل هذا الترميز، وبالتالي إيهام النفس بأن البالغين قدموا ما عليهم أن يقدموه.
وقد لا نحتاج إلى كثير من الخيال لنتصور ما الذي سينتهي إليه أطفال الشوارع والمشردون على أرصفة العالم وعلى قارعة التاريخ أيضاً، فهؤلاء هم المادة الخام؛ بل المنجم البشري الذي سوف يغرف منه الإرهاب والتطرف!، والأيدي التي تلوثت من دماء الماضي وأطلاله تتمدد الآن نحو المستقبل!