قضايا ودراسات

العربية ضحيّة سوء فهم

عبد اللطيف الزبيدي

هل أساء أهل الأدب والثقافة فهم التقنيات الأسلوبية في اللغة العربية؟ نسأل المولى ألاّ يكون الأمر كذلك، وإلاّ لكان هذا برهاناً قاطعاً على خلل جسيم في الإحساس بالجمال عموماً، والبناء الموسيقي تخصيصاً وتحديداً. أليست اللغة مخارج أصوات، أي درجات صوتية، أي موجات صوتية، أي ترددات وذبذبات صوتية؟ بلى، وعدم الإدراك بلاء. ها نحن أمام مصيبة ذوقية ثقافية، جذورها مناهجية تربوية تعليمية.
أساس المشكلة هو أن ينظر ذوو الشأن، أهل التعليم والمبدعون بالأجناس الأدبية، إلى التناغم اللغوي نظرة «موضة» مرتبطة بعصر وزمان ومدارس أدبية وتيارات: هذا فات ومات، وهذا حديثٌ «آخر صيحة» في الإبداع الفني. منشأ الخبط والخلط والخطأ والخطل، الافتقار إلى النظرية في التأليف الموسيقي للغة وباللغة. القافية في الشعر، والسجع في النثر، تقنيات موسيقية غير ذات صلة بالقديم والجديد، وما يصلح لحقبة دون غيرها. واضعو المناهج في تدريس العربية يحصرون جهودهم في تعليم التلاميذ بناء الجملة بفعل وفاعل ومفعول، إلى أن يحصلوا في النهاية على نص: آجرّة، أسمنت، آجرّة، أسمنت، ويعلو الجدار. عندما يختار الطالب الهندسة العمارية، عليه حينئذ أن يتعلم أسس الجمالية، وإذا منّت عليه السماء بالموهبة أبدع فيها. أكبر سوء فهم ترتكبه مناهج العرب، هو أنها تهمل تدريس الإحساس بجمال اللغة منذ بداية الابتدائية، أي موسيقى العربية.ما تحدثه الكلمات والأدوات من توافقات وتنافرات، وتناغمات ونشازات، حين تتجاور وتتحاور، ما يسميه الموسيقيون الهارموني الأفقية.
القفزة العلمية التعليمية العملاقة، التي حققتها سنغافورة وفنلندا، وتطبّقها الآن دول غربية، هي تبسيط أعلى نظريات الفيزياء والكيمياء، أي أساسيات بنيان المادة الكونية، وجعل استيعابها في متناول الحضانة فصاعداً، على هيئة ألعاب.الغاية العظيمة هي إدراك مكوّنات المحيط والحث تلقائياً على الاكتشاف وتحفيز عوامل الإبداع والاختراع. ما على المناهج إلاّ أخذ الفكرة المجردة ونقلها إلى تعليم اللغة.يجب قلب المقرر الدراسي رأساً على عقب. أي تبسيط علوم العربية، من بلاغة وبديع وفنون بيان، لتدخل الصفوف الابتدائية. سيصرخ التقليديون: ما هذا الجنون الذي يريد الهبوط بكتاب «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني إلى مستوى الابتدائية؟ هذا تأليف في موسيقى اللغة. انظر: «شرط استحسان الجناس والسجع، أمثلة التجنيس الحسن والقبيح»، أليست هذه موسيقى لغوية؟ كيف ألّف موتزارت سيمفونيات وهو دون الثامنة؟ أعقد مسائل العربية يمكن تحويلها إلى ألعاب للابتدائية، من ذلك كتاب «الخصائص» لابن جنّي، خصوصاً «الاشتقاق الأكبر» فهو لعبة جاهزة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الغلطية: ننشئ الطفل على متكلّسات اللغة فيشبّ على النفور من ثقل دم قواعدها، حتى إذا كبر أريناه وجهها الجميل «فات المعاد».

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى