غير مصنفة

العقوبات الاقتصادية

باتريك كوكبيرن*

العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأمم المتحدة، أو دول وتجمعات إقليمية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تضرب السكان المدنيين في البلدان المستهدفة وتؤدي إلى موت وعذاب أعداد كبيرة منهم، إلا أنها تفشل دائماً في تحقيق هدفها المعلن: إسقاط ديكتاتور أو نظام عدواني.
كثيراً ما تجرف الأمواج إلى ساحل شمال اليابان البقايا المحزنة لقوارب صيد كورية شمالية. وفي بعض الحالات، يحمل الحطام جثث صيادي أسماك ماتوا جوعاً أو عطشاً إثر تعطل قواربهم. وبين وقت وآخر، يصل إلى الساحل ناجون جوعى يروون كيف تعطلت زوارقهم أو نضب مخزونهم من الوقود، أو وقعوا ضحايا حادث ما.
وسبب موت هذا العدد الكبير من صيادي الأسماك هو الجوع في كوريا الشمالية، حيث الأسماك هي أرخص أنواع البروتين.
وواقع أن صيادي الأسماك الكوريين الشماليين يغامرون بحياتهم من أجل تأمين طعام ودخل هو دليل على «النجاح» المفترض للعقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية. ولكن ضغط العقوبات يطال الفقراء والضعفاء، وليس الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج – أون، الذي يبدو سميناً وسعيداً وبصحة جيدة.
إن سجل العقوبات الاقتصادية في إشاعة الفقر والبؤس، والمرض والموت، في بلد مستهدف لهو سجل «نجاح كبير». تشهد على ذلك عقوبات الأمم المتحدة التي فرضت على العراق من 1990 إلى 2003. ويفترض أن العقوبات كانت تستهدف صدام حسين ونظامه، إلا أنها لم تفعل شيئاً لإضعافهم. بل على العكس، استغلت النخبة السياسية في حزب البعث الحاكم ندرة الأغذية لكي تحتكر الإمدادات وتغتني. وعدي صدام حسين جنى أرباحاً ضخمة من خلال سيطرته على استيراد السجائر إلى العراق.
والبيروقراطيون الذين تولوا مسؤولية تطبيق عقوبات الأمم المتحدة كانوا يزعمون دائماً أن هذه العقوبات منعت صدام من إعادة بناء قوته العسكرية. ولكن هذا كان دائماً كذبة مرائية. وإنه لمن العبث تصور أن ديكتاتوريين من أمثال كيم جونج – أون أو صدام حسين سيتأثرون.
لقد آن الأوان لكي يعتبر فرض عقوبات اقتصادية جريمة حرب، لأن هذه العقوبات تمثل عقاباً جماعياً للملايين من المدنيين الأبرياء، الذين يموت العديد منهم، أو يمرضون، أو يبقون على قيد الحياة فقط بفضل ما يجدونه من بقايا في أكوام النفايات.
والعقوبات الاقتصادية في زمننا تشبه حصارات القرون الوسطى، ولكنها تتميز بتغطيتها بحملات إعلامية – دعائية معاصرة تبرر ما يحصل. وهناك فرق جوهري، هو أن حصارات القرون الوسطى كانت تقتصر على تجويع مدينة أو بلدة واحدة، بينما عقوبات اليوم تستهدف الضغط على بلدان بأكملها حتى ترضخ.
وأحد المغريات بالنسبة للسياسيين الذين يقررون العقوبات اليوم هو أنه يمكن إقناع الرأي العام – بصورة عامة – بضرورة هذه العقوبات. وأحد الأمثلة الراهنة هو العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سوريا بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه. إلا أن هذه العقوبات فشلت كلياً في تحقيق هذا الهدف.
ويفترض أن الناس عبر العالم يشعرون بالغضب والسخط إزاء هذا الوضع، تماما كماً يحصل عندما يشاهدون صور مستشفيات تتعرض لقصف جوي ونيران مدفعية.
والعقوبات تضرب الهدف الخاطئ، لأنها لا تحقق أي نجاح ضد من هم في السلطة.

*صحفي وكاتب – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى