العلم يحمي البشرية
شيماء المرزوقي
قبل مئة عام، وتحديداً في عام 1918، اجتاح العالم فيروس قاتل وقدرت الإحصائيات أن 500 مليون إنسان أصيبوا به وأن عدد الوفيات وصل لنحو 100 مليون، إلا أنه تم رصد ملاحظة جديرة بالدراسة هي أن معظم من راح ضحية هذا الوباء هم البالغون واليافعون الأصحاء.
وهي ملاحظة قد تنم عن تطور في قدرة الفيروسات على إصابة الإنسان الأكثر صحة ومناعة، لأن الفيروسات السابقة كانت تستهدف الضعاف وكبار السن والأطفال أو المرضى ومن يعاني ضعفاً في المناعة.
منذ ذلك العام ، ظل السؤال قائماً: هل يمكن للبشرية أن تعاني فيروساً أشد يسبب كل هذه الأعداد من الوفيات مرة أخرى؟ العلماء لا يستبعدون هذا السيناريو المظلم، مثل البروفيسور جورج بولاند، أستاذ الفيروسات واللقاحات في مستشفى مايو كلينك، الذي قال: «لا شك أنَّ جائحة إنفلونزا فتاكةً ستحدث يوماً ما عاجلاً أم آجلاً، وهذا أمرٌ مؤكدٌ 100%، لكنَّ الفارق أنَّه أصبح بالإمكان أن نواجه هذا الوباء في حال حدوثه ونقوم بالعديد من الإجراءات التي يمكن أن تقلِّل انتشار الفيروس وتخفف عدد الوفيات إلى الحد الأدنى».
هناك عدد آخر من العلماء يؤكدون أن البشرية تعرضت فعلاً لعدة فيروسات أخطر مما حدث قبل مئة عام، مثل أوبيلا وزَيكا والضَنك والحمى الصَفراء والتهِاب الدِماغ الياباني وغرب النيل، وغيرها الكثير من الفيروسات التي سمعنا بها، ومنها تلك التي تصيب الحيوانات وتنتقل إلى الإنسان، لكن هذه الفيروسات رغم أنها قاتلة بل وذهب ضحيتها الكثير من الناس، خاصة في أول انتشار لها، إلا أنه بتطور العلم في مجالات البحوث والمختبرات والعزل وصناعة الدواء تم الحد بشكل كبير من قوة هذه الأوبئة، وتم محاصرتها بما يعرف طبياً بالعزل الصحي كإجراء أولي ثم البحث عن المصل الذي يقضي على الفيروس أو على الأقل إيجاد مصل يحمي من الإصابة.
صحيح أن البشرية غير محمية حتى اليوم بشكل تام من الفيروسات القاتلة، ولكن بتطوير إجراءات العزل والوقاية والتثقيف، يمكن محاصرة أي وباء قبل استفحاله وانتشاره، وهذه واحدة من أعظم فوائد العلم الحديث للبشرية التي لا نشعر بها وسط كل هذا الوهج التقني الذي نعيشه اليوم.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com