العنصرية تحاصر الرئيس
تأليف:بن رودس
عرض وترجمة:نضال إبراهيم
على مدى ما يقرب من عشر سنوات، رأى «بن رودس» تقريباً كل ما يحدث في قلب إدارة أوباما؛ أولاً ككاتب خطابات، ثم كنائب لمستشار الأمن القومي، وأخيراً كمساعد مقرّب متعدد الأغراض. كان يبدأ يومه كل صباح في المكتب البيضاوي مع أوباما للاطّلاع على آخر المستجدات، ويسافر معه إلى الخارج، وكان في قلب بعض اللحظات الأكثر إثارة للجدل. الآن، وفي هذا العمل، يروي القصة الكاملة لشراكته، ثم صداقته مع رجل تصادف أنه رئيس تاريخي للولايات المتحدة.
يبدأ رودس القسم الثاني «الربيع: 2011-2012» بفصل تحت عنوان «مصر: التحول يجب أن يبدأ الآن»، ويقول في بدايته: «بعد أن عدنا من هاواي، كان لدى أوباما اتصال مع حسني مبارك. خلال الأسابيع الثلاثة السابقة، انتشرت الاحتجاجات مثل النار في الهشيم. في 11 يناير/كانون الثاني، زين العابدين بن علي، الدكتاتور، الذي حكم تونس لعقود، ترك السلطة. بدأ الناس في القاهرة بتقليد البوعزيزي، يضرمون النار في أنفسهم؛ للاحتجاج على الفساد، والقمع، ومبارك».
«على الرغم من هذه الهزات، لم يعتقد مجتمع المخابرات في البداية، أن الاحتجاجات يمكن على الأرجح أن تطيح حكومات أخرى.. رجال مثل: حسني مبارك وبشار الأسد هما مترسخان جداً، ويستطيعان الاعتماد على إخلاص الأجهزة الأمنية، ودعم القوى الأجنبية. في حالة مصر، تلك القوة كانت الولايات المتحدة، التي قدمت لعقود مساعدة عسكرية عقب اتفاقات «كامب ديفيد»، وأسست علاقات عميقة بين الدولة المصرية ومؤسستنا الأمنية الوطنية الحاكمة.
ويضيف: كنت جزءاً من مجموعة من الأعضاء الأصغر سناً في الحكومة، الذين تشاركوا النفور من طريقة الفساد، التي يتم بها حكم وإدارة الشرق الأوسط. أغلب ضباط الاستخبارات الخارجية خدموا هناك، وكان لديهم أصدقاء هناك شعروا بعدم الارتباط بحكومات بلادهم.
ويشير الكاتب إلى أن هؤلاء الأصغر سناً في الحكومة كانوا متأكدين أكثر من الموظفين الكبار بأن الفوضى سوف تنتشر. في تلك الأثناء، كانت هناك حفنة من المساعدين يطالبون بتقديم الدعم للمحتجين عبر المنطقة، وكانوا يعتقدون أن مصر هي التالي.
ويذكر أن مكالمة أوباما مع مبارك كانت تركز على السلام في الشرق الأوسط؛ لكنه استخدمها للحديث عن الاحتجاجات في تونس، وقال له حينها: نعتقد أنه من الأفضل ألا يعود بن علي إلى تونس، ونأمل أن تجري الحكومة التونسية انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل. ويجيبه مبارك بثقة:»أعتقد أنه لن يكون قادراً على العودة مرة أخرى، لن تنجح إذا لم ينصف الناس ويريدونك. قلت الشيء نفسه للقذافي«.
صناعة الحرب والسلام
بعنوان»الشبان يشنون الحرب، والكبار يصنعون السلام«يأتي الفصل السادس عشر من ضمن القسم الثاني عن مسألة دعم المعارضة السورية، ومجريات الحرب في سوريا، يقول رودس: في خريف 2012، تلقى أوباما مقترحاً؛ يوصي بتقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية. حينها شجع ديفيد بترايوس مدير وكالة المخابرات المركزية»سي آي إيه«على ذلك. كما كان صادقاً بشأن ما كان وما لم يكن: هذا لن يُغير اتجاه الحرب، فقط سيسمح لنا بإقامة علاقات مع المعارضة.
ويمضي في حديثه:»كنت حائراً، فعلى مدى الخريف، ناضلت من أجل معركة خاسرة ضد هؤلاء الذين أرادوا تسمية جزء من المعارضة السورية ( جبهة النصرة ) كمنظمة إرهابية. كانت «النصرة» على الأرجح أقوى قوة مقاتلة ضمن المعارضة، وفي الوقت الذي تواجدت عناصر متطرفة في المجموعة، كان واضحاً أن المعارضة المعتدلة أكثر كانت تقاتل مع «النصرة». ناقشت أن وصف «النصرة» بالإرهابيين سوف يبعد هؤلاء الناس، الذين أردنا مساعدتهم، في حين نعطي «النصرة» حافزاً أقل لتجنب انضمام المجموعات المتطرفة إليها.
كما ناقشت أنه إذا ما كنا سنمضي إلى التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، ينبغي أن نتدخل بجيشنا؛ من أمريكا الوسطى إلى أفغانستان، فأمريكا لا تمتلك سجلاً جيداً في تسليح الوكلاء، إذا كنا نعتقد أنه يستحق خلق توازن ضد الأسد، ينبغي أن نناقش إذا ما كنا سنضرب نظامه بشكل مباشر، ركزتُ على هذه النقطة في بضع لقاءات في أواخر 2012، وأوائل 2013؛ لكني كنت عادة الشخص الوحيد، الذي يفعل ذلك أكثر من جيك وسامانثا.
في اجتماع في أوائل الفترة الثانية لأوباما، سار أوباما في الغرفة كما كان يفعل في العادة؛ عندما يريد اختبار الواقع الحالي لسياساته. جيك وأنا كنا نجلس بجانب بعض، وقدمنا الشكل نفسه من النقاش، قلت: إذا ما بقيت الأمور في حالة تدهور. ينبغي أن «نفكّر بضرب مطارات الأسد» أو ينبغي أن نفكر «بضربات محدودة ضد بعض البنى التحتية للنظام».
حضور العنصرية
كانت العنصرية تحضر وتغيب باستمرار في البيت الأبيض خلال عهد أوباما بحسب ما يكتب رودس في القسم الثالث؛ إذ يقول في الفصل العشرين «العرق ومانديلا وكاسترو»: «لم نتكلم كثيراً عنها، لم نكن بحاجة إلى أن نتكلم عنها؛ فقد كانت هناك، في كل مكان، مثل «الضجيج الأبيض». كانت العنصرية موجودة؛ عندما قال أوباما إنه كان من الغباء لبروفسور أسود أن يعتقل في منزله، وأن يتلقى انتقادات لأيام، بينما ضابط الشرطة الأبيض تحول إلى ضحية. وكانت العنصرية موجودة؛ عندما صرخ عضو كونجرس أبيض من الجنوب «أنت تكذب»؛ حينما كان أوباما يلقي خطاباً في جلسة مشتركة للكونجرس. وكانت موجودة؛ عندما أسس نجم تلفزيون الواقع في نيويورك علامة تجارية سياسية كاملة على فكرة أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة؛ وهي فكرة غطتها القنوات الإخبارية الوطنية لشهور، في حين حتى الآن لا تزال أغلبية الجمهوريين تصدق ذلك.
كانت العنصرية موجودة؛ عندما كان يتم الحديث عن أوباما في الإعلام اليميني، الذي قضى ثماني سنوات يصرّ على أن أوباما كان يكره أمريكا، وينتقص منه في كل حركة، ويخترع فضائح لم تكن موجودة، تهاجمه في كل مرة يتوجه فيها إلى مهمة له. كانت موجودة؛ عندما تلقيت رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي تسميه «القرد الكيني»، «الصبي»، «المسلم». وكانت موجودة؛ عندما رفض الجمهوريون في الكونجرس العمل معه لثماني سنوات كاملة. في إحدى المرات، دعا أوباما الجمهوريين في الكونجرس لحضور عرض «لينكولن» في مسرح البيت الأبيض؛ وهو فيلم لستيفن سبيلبيرغ حول كيف أن إبراهام لينكولن عمل مع الكونجرس؛ لتمرير التعديل الثالث عشر المتعلق بإلغاء العبودية. لم يحضر منهم أحد. أوباما لم يتحدث عن الأمر كثيراً. في بعض الأحيان، كان يظهر شكلاً من الكوميديا السوداء في تقديم إجابات حول موضوع معين.
دروس الماضي
يتوقف الكاتب عند العديد من التفاصيل المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية، وكيف تعلّم السياسيون من دورس الماضي؛ فمثلاً عن حرب فيتنام، يقول في الفصل العشرين «الروس والتدخل»: لعدد من السنوات، كانت عبارة «متلازمة فيتنام»؛ تستخدم لوصف تردّد الأمريكيين للعودة إلى الحروب بعد كارثة فيتنام؛ لكنه كان يُستخدم عادة كمصطلح سخرية، كما لو أنه من الخطأ التعلم من هذه الدروس. في أوائل 2014، مع أحدث مثال عن حرب العراق، التي كانت لا تزال تشكل العالم، الذي كنا نديره، كان أوباما متهماً بشكل مستمر بأنه (يفرط التعلم من دروس حرب العراق). حتى أنه بالنسبة لتجاوز نظام الأسد الخط الأحمر في سوريا، كان الرأي العام يشك بشأن شنّ الولايات المتحدة الحرب، وبقي الإطار السياسي لجدالات الأمن القومي نفسه؛ أي: القيام بالمزيد كان قاسياً، وأي شيء آخر كان ضعيفاً.
يقول الكاتب في الفصل الثامن والعشرين المعنون «هافانا» ضمن القسم الأخير من العمل: «ونحن نتوجه إلى السنة الأخيرة من رئاسة أوباما، أصبحنا نقطن عالمين منفصلين، في واحد منهما، أنجزنا اتفاقية تغير المناخ العالمي، وتم تنفيذ الاتفاقية مع إيران، وكان الاقتصاد يحقق نمواً، وسجل 20 مليون شخص أسماءهم؛ للحصول على الرعاية الصحية، وشهد تقييم قبول أوباما صعوداً. في عالم آخر،.. المرشحون الجمهوريون للرئاسة كانوا يرسمون صورة لكابوس بائس للجرائم، والهجرة المتفشية، وإرهاب تنظيم «داعش»، والركود الحاصل في الأجور في الولايات المتحدة». هنا، لأن الواقعين كانا بعيدين عن بعضهما؛ ولأن أوباما لم يكن لينتخب مرة أخرى، كان من الصعب عمل أي شيء سوى تخفيض رؤوسنا نحو الأسفل، والتركيز على ما أنجزناه.
استمر تركيز رودس على كوبا، وبشكل متزايد على رحلة أوباما إلى هافانا في 2016، وهي الزيارة الأولى لرئيس أمريكي منذ كالفين كوليدج في 1928. ويقول عن ذلك في الفصل ذاته: «على مدى السنة الماضية، أدركت أن عملي في كوبا كان أبعد من أن ينتهي، أراد الكوبيون أن يحققوا أكبر تقدّم ممكن؛ لبناء علاقة ثنائية خلال السنتين الأخيرتين لأوباما في منصب الرئاسة، طمأنتهم أن أي ديمقراطي يأتي بعد أوباما سوف يستمر في نهجنا ذاته؛ لكني لم أستطع قول الشيء نفسه حول قدوم جمهوريّ.. فهمَ الكوبيون هذا الأمر».
حرب المعلومات
يتحدّث رودس في الفصل الثلاثين بعنوان «القصص التي نرويها» ضمن القسم الأخير عن العلاقة مع روسيا، واللقاء مع بوتين قبل انتهاء ولاية أوباما، وعن الانتخابات الأمريكية التي جاءت بدونالد ترامب، ويقول: «واجهنا في الوقت نفسه خطر المعلومات الروسية المضللة في 2014 و2015، كان لها تأثيرها الموازي لمواجهة حملة «داعش» على وسائل التواصل الاجتماعي؛ الداعية إلى تجنيد الأمريكيين وجرّهم إلى الراديكالية».
ويضيف: «ولفهم ما حصل في انتخابات 2016 الرئاسية، علينا أن نفهم هذا؛ عندما أطاح المحتجون، الحكومة الأوكرانية، فسّر بوتين الأمر بأن الولايات المتحدة تتجه إلى روسيا، وأنه فعل أقرب إلى الحرب؛ وعندما أطلق هجمته المضادة – ضم القرم، والزحف إلى شرقي أوكرانيا – استخدم المعلومات كسلاح، وأظهر الرغبة في الكذب، مستخدماً الإعلام التقليدي»؛ مثل: التلفزيون، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة: «تويتر»، «فيسبوك»، و«يوتيوب»؛ لنشر معلومات مضللة؛ مثل فيروس إلى المجتمعات الأوروبية المنفتحة.
في النهاية، الروس سوف يأتون إلى أمريكا، كما اعتقدوا أننا سنذهب إلى أوكرانيا. استفادوا من حقيقة أننا أرهقنا خلال عقود من الاستقطاب السياسي، و«بلقنة»؛ (من البلقان) إعلامنا. في الواقع، الأجسام الأمريكية المضادة لمرض المعلومات الروسية المضللة كانت ضعيفة، هذا في حال إذا كان لها وجود أساساً.
في بداية سبتمبر/أيلول، حلق رودس برفقة أوباما إلى الصين؛ لأجل قمة مجموعة العشرين؛ حيث كان سيعقد أوباما لقاءه الأخير مع بوتين قبل الانتخابات، ويقول عن هذا اللقاء: «التقيا في غرفة الاجتماعات. جلست إلى جانب أوباما، مع سوزان رايس وجون كيري. وجلس بوتين على الجانب الآخر محاطاً بثلاثة رجال رواقيين بدناء. كان هناك دائماً تهمة موجودة عندما تكون جالساً في غرفة مع أوباما وبوتين، يأتيك إحساس أنك كنت تشاهد تبادلاً يريد كل العالم أن يشاهده؛ لكن مهما كان الامتياز الذي شعرت به إلا أنه قوطع بالاختلاف في مواقفنا، أوباما سوف يذهب في غضون أشهر، وسوف أختفي معه. أما بوتين فلن يذهب إلى أي مكان».
وحول النقاش الذي جرى بين الزعيمين يذكر: «جادل الاثنان المواضيع نفسها، التي أبعدتنا عن بعضنا على مدى السنوات الثلاث الماضية. بشأن أوكرانيا، كان لديهما نفس التوتر، والجدل القانوني، الذي ميز كل عملية تبادل منذ 2004. تنفيذ خطة السلام تعثر، وبوتين وجّه الملامة إلى رئيس أوكرانيا، بيترو بوروشينكو. عندما يفتح بوروشينكو فمه»، يقول عنه بوتين: إنه يكذب. وبشأن سوريا، ناقشا خطة وقف إطلاق النار، والتي بموجها توقف روسيا القصف على مناطق المعارضة، وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية، في المقابل، سوف نفصل المعارضة، التي ندعمها من فرع «القاعدة»، «النصرة». عبّر بوتين عن الدعم؛ لكنه استهزأ من إمكانية فصل «النصرة» عن المعارضة.