الغراب والذهب

يوسف أبو لوز
لا تكف طيور الغربان السوداء عن التحليق فوق «الكرملين» في موسكو، تطير وتحط على أسطح المبنى الذهبي، وتأخذ في تقشير الذهب والهرب بهذه الصفائح اللمّاعة إلى أعشاشها، والمعروف أن الغراب يشغف بكل ما يلمع فيسرق الملاعق والكؤوس الصغيرة، ويهرب بها بعيداً إلى حيث أوكاره وأعشاشه في الكهوف وفي أعالي الشجر.
ما يتعلق بأسراب الغربان فوق مبنى الكرملين كان موضوع التقرير الصحفي، الذي كتبه طه عبدالرحمن من موسكو، وأضاف إليه أن الأجهزة الأمنية الروسية استعانت بطيور البوم للقضاء على الغربان.. «..ولما كان استخدام بنادق الصيد في الكرملين عملاً غير مرحب به، قرر المختصون الاعتماد على الطيور الحرة الجارحة..».
..وعجباً.. كيف لبومة أن تصطاد غراباً وهي لا ترى الأشياء القريبة منها، فالبوم بعيد النظر ولا يرى إلا الأشياء البعيدة عنه، وبعيداً عن أخلاق وعادات البوم والغربان يشبه هذا التقرير إلى حد ما القصص القصيرة السوريالية عندما تقرأ أن غراباً يختطف قشرة ذهب ويطير بعيداً عن الحرس المدجج بالسلاح.
الكثير من شعوب هذا العالم تتشاءم من البومة والغراب، لكن الغريب أن بعض الشعوب تتفاءل بالغراب بشكل خاص الذي يفقس من البيضة بزغب أبيض ثم يتحول الزغب رويداً رويداً، إلى ريش أسود، أما البوم فيتمتع بريش بالغ الرهافة والنعومة، ولذلك عندما يطير لا تسمع صوت رفرفة أجنحته في عتمة الليل.
لا أحد يعرف من أين تأتي هذه الطيور إلى روسيا بلد الثلوج ودرجات الحرارة المنخفضة دائماً.
المفارقة هنا أن الأدب الروسي يكاد يخلو من الغربان ورمزيتها التشاؤمية، في حين يحفظ غالية الأمريكيين قصيدة «الغراب» لشاعرهم «إدغار ألن بو» بل أصبحت هذه القصيدة بالذات العلامة الأبرز في الثقافة الأمريكية، واللافت أن «ألن بو» نشرها في العام 1945، أي عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكنه كتبها أثناء الحرب، وحينما كان يكتب قصيدة الغراب في بوسطن كانت الطائرات الأمريكية «على شكل غربان حديدية».. تدك مدينتي ناغازاكي وهيروشيما في اليابان، وتحول الناس والبيوت والشجر إلى رماد.
في الأسطورة يحترق طائر العنقاء ويعود إلى الحياة من رماده.. ولا أدري إن كان يفعل ذلك طائر الغراب المولع بتقشير الذهب.
yabolouz@gmail.com