الغرب و«الإخوان»
د. محمد الصياد
لن يحتاج الباحث المتفحص لكثير عناء للتوصل إلى خلاصة مفادها، أن كافة التنظيمات الإسلامية التي تبنت واتخذت العنف والإرهاب وسيلتين لتحقيق غاياتها السياسية، قد خرجت من تحت عباءة تنظيم الإخوان المسلمين. وستصبح هذه من المسلّمات لدى الباحث، كلما أوغل وتبحّر في دراسته للظاهرة الإرهابية المقترنة بجماعات الإسلام السياسي.
أيضا سوف يجد هذا الباحث نفسه، في حيرة من أنه حتى بعد كل الذي تعرضت له الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية من هجمات إرهابية على أيدي تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، والتي مثلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، ذروتها، قبل أن تكر سبحتها وتتحول إلى كابوس مقيم بشكل دائم، داخل مفاصل دوراتها الحياتية اليومية.. حتى بعد كل هذا الذي جرى ومازال يجري، فإن الغموض، هو الآخر، مازال يلف الموقف الغربي من هذه التنظيمات، خصوصاً منها تنظيم الإخوان المسلمين، الأب الشرعي لها جميعاً، حتى وإن لم تقم معه هذه التنظيمات الإرهابية المتناسلة، رابطة تنظيمية مثبتة؛ ومازالت الشبهات تكتنف العلاقة بين التنظيم الأم وبين الغرب، متمثلاً تحديداً في الولايات المتحدة وأوروبا.
والحال أن حكومة الولايات المتحدة وحكومات بلدان أوروبا الغربية، كما فعلت جهاراً نهاراً في أفغانستان بإنشائها تنظيم «القاعدة»، فإنها شجعت وسلحت مجموعات إسلامية محسوبة على تنظيم «القاعدة» وفروعه التمويهية، وتشكيلات الإخوان المسلمين العسكرية للعمل في عمليات «تغيير النظام» (Regime Change) في العراق وليبيا وسوريا.
إنما الثابت حتى اليوم، هو أن الحكومات الغربية مازالت ترفض تصنيف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي؛ واللافت أيضاً، أن بعض الواجهات الإعلامية الأمريكية والأوروبية الرسمية، تخرج بين الحين والآخر بمقالات تتناول الأنشطة الهدامة لجماعة الإخوان؛ واللافت أكثر، أن هذه الواجهات تطالب البلدان الأخرى، بمحاربة أنشطة هذه الجماعة، والضغط على الدول التي تحتضنها بالعقوبات والعزل، إن هي لم تتوقف عن توفير الملاذ والدعم لها وإن لم تقم بحظرها ومحاربة أنشطتها، في حين أنها هي نفسها لا تقوم بذلك، وإنما توفر لها ليس فقط الملاذات الآمنة، وإنما مساحة كبرى من حرية الحركة تصل إلى حد تواصل بعض عناصرها القيادية مع أركان السلطة التشريعية في الكونجرس الأمريكي، على سبيل المثال.
تعود علاقة الولايات المتحدة بجماعة الإخوان المسلمين إلى عام 1953 إبان ولاية الرئيس دوايت آيزنهاور، حين دعت وكالة المعلومات الأمريكية 36 من قيادات الجماعات الإسلامية في عدد من البلدان الإسلامية، لإعدادهم ضمن برنامج سري يهدف لتوظيف هؤلاء في صراع الولايات المتحدة ضد الشيوعية. وكان من بين المشاركين في البرنامج سعيد رمضان، ممثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وصهر مؤسس الحركة حسن البنا. وكان يتولى حينها منصب مسؤول الشؤون الخارجية للحركة. وهو أيضاً والد الداعية الإسلامي المعتقل في فرنسا حالياً طارق رمضان.
لقد كانت إدارة آيزنهاور على اطّلاع بما يفعله الإخوان، وكانت المخابرات المركزية الأمريكية تصنف جماعة الإخوان المسلمين على أنها كتائب فاشية، لكنها أرادت توظيفهم في معركتها ضد الشيوعية، إذ اعتبرت أن الدين قوة يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة في هذا الصراع، من حيث إن الاتحاد السوفييتي كان ملحداً، في حين كانت الولايات المتحدة تدعم الحرية الدينية. وقد واظبت المخابرات الأمريكية على دعم رمضان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حين استولى على مسجد في ميونيخ، وطرد المسلمين المحليين لبناء ما أصبح أحد أهم مراكز الإخوان المسلمين في أوروبا. لكن الولايات المتحدة لم تحصد في النهاية الكثير نظير «جهودها» هذه، حيث كان رمضان مهتماً بنشر برنامجه الإخواني أكثر من اهتمامه بمحاربة الشيوعية. بل إنه في سنوات لاحقة، دعم الثورة الإيرانية، وقيل أيضا إنه ساعد في تهريب ناشط مؤيد لطهران قتل أحد دبلوماسيي الشاه في واشنطن. بعد ذلك سارت العلاقات بين واشنطن والإخوان، بحسب «الطلب» على هذه العلاقة من جانب الأجهزة الأمنية الأمريكية. فشهدت انتعاشاً إبان الحرب الأفغانية، حيث تم توظيف الجماعة ووليدها تنظيم «القاعدة» في الحرب ضد القوات السوفييتية في أفغانستان، قبل أن ترتد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث صنفت واشنطن الكثيرين من الذين يتبوّؤون مراكز قيادية في تنظيم الجماعة، بأنهم من الداعمين للإرهاب.
alsayyadm@yahoo.com