الغوطة في الحسابات الاستراتيجية
يونس السيد
المعركة التي اندلعت في الغوطة الشرقية مؤخراً، ثم تراجعت حدتها بعد صدور قرار مجلس الأمن، ولكنها لم تتوقف بعد، تتجاوز حسابات الأطراف المحلية المتصارعة وداعميها الإقليميين، إلى الحسابات الاستراتيجية بين القوى الكبرى، خصوصاً بين موسكو وواشنطن، كل وفق أجندته الخاصة، وعلى قاعدة من الذي يتحكم بإدارة دفة الأمور لتقرير مستقبل هذا البلد.
على مدى سنوات الصراع، ظلّت جبهة الغوطة دائماً مفتوحة، لكن اتجاه النظام السوري إلى الحسم، سواء كان عسكرياً أو سياسياً، لم يأت من فراغ، ولم يكن سقوط القذائف على العاصمة دمشق وحده سبباً كافياً لفتح معركة بهذا الحجم وبهذه الشدة، وإن كان ذلك يؤخذ بعين الاعتبار، فالنظام بالاشتراك مع حلفائه كان يستند إلى تحوّلات ميدانية لصالحه في العديد من الجبهات، والى فشل المفاوضات في إخراج «جبهة النصرة»، وهي مسألة كان يفترض أن تتم في أغسطس/آب الماضي مع إقرار اتفاق «خفض التوتر»، وهو إن كان يريد تأمين دمشق والأهم المطار الدولي، فإنه يدرك في قرارة نفسه أن بقاء الغوطة كما هي عليه لن يكون مجرد خنجر في خاصرته بل يشكل تهديداً خطراً لبقائه، والأهم من ذلك أنه، بعد تراجع «أستانا» و«سوتشي»، سيدخل في أية خطط أو حسابات سياسية تتعلق بالدستور أو الانتقال السياسي على أمل أن يفضي ذلك إلى تغيير النظام برمته.
استراتيجياً، يمكن القول إن المفاوضات التي سبقت صدور قرار مجلس الأمن، تمثل نموذجاً ملخصاً للحسابات بين القوى الكبرى، والصراع الأمريكي – الروسي على من تكون له كلمة الفصل، وبالتالي فقد ولد القرار من رحم تناقضات دولية هائلة، كان التعبير الأبرز عنها مطالبة روسيا بالاتفاق على شروط ومعايير تطبيق وقف إطلاق النار في عموم سوريا، أي أن الهدنة المقترحة لثلاثين يوماً تشترط شمولها الشمال والشرق السوري، وتعطي النظام حق مواصلة القتال ضد المجموعات المصنفة ك «تنظيمات إرهابية»، قبل أن تسارع إلى الإعلان عن فتح «ممرات إنسانية» لمدة خمس ساعات يومياً أمام الراغبين في الخروج من الغوطة. ومشهد «الممرات الإنسانية» سبق أن تكرر كثيراً في معركة حلب أواخر عام 2016، وهو في الواقع، ينزع ورقة مهمة من فصائل الغوطة التي تتهمها موسكو باحتجاز المدنيين دروعاً بشرية.
النظام مدعوماً بقوة من روسيا، هذه المرة، يملك ورقة استكمال معركة الغوطة، وهو ينطلق أساساً من نظرته إلى أن اتفاقات «خفض التوتر» هي اتفاقات مؤقتة، ويقول بوضوح إنه سيواصل محاولاته لبسط سيطرته على كل الأراضي السورية، لكن هذه النظرة ستصطدم لا محالة بعدم قبول واشنطن وحلفائها الغربيين بخسارة أوراق ضغط مهمة جداً في الغوطة، وها هي تلمّح إلى إمكانية التدخل المباشر وتوجيه ضربات للنظام السوري، وعندها سيكون الجميع بانتظار الموقف الروسي، وعندها أيضاً سيكون لكل حادث حديث.
younis898@yahoo.com