قضايا ودراسات

القابلية للكسل

د. حسن مدن

قبل عامين أو ثلاثة كنت مشاركاً في ندوة بمدينة أوروبية، حين هبت على المدينة عاصفة ثلجية عاتية أحالت شوارعها إلى ركام هائل من الثلج، ولم يتوقف الثلج طوال الأيام التي استغرقتها تلك الندوة، مواصلاً الانهمار ليلاً نهاراً.
وعندما كنا نقطع المسافة حتى أقرب «سوبر ماركت» أو مقهى من الفندق، حيث لا سبيل للتنزه الطويل في هذا الجو القارس، كنا نلاحظ أن أصحاب المحلات، ناهيك عن عمال البلدية، ينهمكون في إزاحة الثلج، ومراكمته جانباً، كي يظل الطريق مفتوحاً أمام المشاة مثلنا.
كان هؤلاء رجالاً من مختلف الأعمار، شباناً وكهولاً، ولكن يجمع بينهم الدأب على العمل، كي لا يبقى الثلج متراكماً في الطريق. وقتها علقت زميلة لنا آتية من بلد عربي، لو أن هذا الثلج نزل عندنا لظلّ في مكانه، مشيرة إلى كسل الشباب في بلدها، كما في بلدان عربية أخرى بالطبع، وانصرافهم عن العمل، بخاصة اليدوي منه.
كانت هذه الملاحظة مثار انتباه. فبالمقارنة بين ما يظهره شباب المدينة التي نحن فيها من همة ونشاط ودأب في هذا الجو القارس، الذي لا يغريك إلا بالبقاء في غرف البيت الدافئة، وبين عزوف الشباب في بلداننا عن العمل في ظروف بيئية أكثر ملاءمة، يجوز التساؤل هل لدى بعض الشعوب قابلية للكسل موروثة في الجينات؟
كثيرون يعرفون مقولة المفكر الجزائري الشهير مالك بن نبي عن قابلية بعض الشعوب للاستعمار، مفترضاً أن الاستعمار ما كان سيكون لولا قابلية هذه الشعوب لأن تخضع له. الحق أن «ابن نبي» لم يطرح الأمر بهذا التسطيح، فهو شرح أن ذلك يتم بعد أن تتم السيطرة المعنوية والمادية للمستعمر على الشعب المعني، حين ينجح المستعمر في إقناع الأفراد المستعمرين (الأهالي) بتفوقه عليهم، وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حياتهم بدونه.
لكن «ابن نبي» رغم ذلك لا يستبعد أن تكون القابلية للاستعمار ناتجة عن صفات عقلية ونفسية ترسخت في أمة معينة، نتيجة ظروف وصيرورة تاريخية تجعلها تفشل في القيام بفعل المقاومة، ما حمله على الاعتقاد بأن الكثير من أفراد مجتمعاتنا يعانون القابلية للاستعمار، حتى ولو كانت بلدانهم غير خاضعة لهذا الاستعمار.
رافضو مقولة القابلية للاستعمار يرون أنها تبرئ الاستعمار من مسؤوليته في استعباد الشعوب، بردها تخلف بعض المجتمعات إلى عوامل سوسيولوجية وسيكولوجية محضة، وحين نقارن كيف كان أجدادنا وآباؤنا هنا في بلدان الخليج مكافحين في العمل في بيئتنا القاسية، وفي ظروف الندرة المهلكة، وترفّع أحفادهم اليوم عن العمل اليدوي واستمراء السهولة والراحة والخمول، نستطيع بيقين كبير أن نبرئ الجينات من مسؤوليتها عن قابليتنا للكسل.

dr.h.madan@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى