“القاعدة” في إيران…
منير أديب
أكدت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها مؤخراً، أن المواطن المصري المقيم في إيران محمد صلاح الدين زيدان، والمكنى بسيف العدل، صار زعيماً لتنظيم “القاعدة” بعد مقتل أيمن الظواهري في تموز (يوليو) 2022.
صحيح أن البيان لم يأتِ بجديد، بخصوص تولي سيف العدل شؤون تنظيم “قاعدة الجهاد” بعد مقتل زعيمه الثاني، أيمن الظواهري، فهناك عشرات التقارير والتحليلات ذهبت إلى هذه الفرضية قبل شهور من الآن، ولعل صاحب هذا العمود أكد عليها في أكثر من مقال سابق، لكن الإشارة بالغة الخطورة في البيان الأخير للخارجية الأميركية، إلى أن طهران باتت مقر إقامة الزعيم الجديد، وهنا تماهت إيران مع مشروع “القاعدة”، فكل منهما يعمل لهدف واحد… وإن كانت إيران تسعى إلى الإمامة فإنها لا تناقض خلافة “القاعدة” أو حتى “داعش”، فالمشتركات بينها أكبر من أي خلاف.
علاقة إيران بـ”القاعدة” لا تحتاج إلى قراءة خاصة، كما أنها لا تحتاج إلى مجهود نوعي للكشف عنها، خصوصاً أن زعيم التنظيم الثالث يقيم في طهران وفق ما أكدته تقارير استخباراتية منذ العام 2002 أو 2003، وذلك بعد قصفت القوات الأميركية مقرات التنظيم في أفغانستان فاضطرت قياداته للهرب إلى إيران أو أن إيران استقبلت هذه القيادات ومنها سيف العدل لحمايتهم من القصف الأميركي!
ومنذ ذلك التاريخ يقيم الزعيم الحالي لتنظيم “القاعدة” في طهران… صحيح أنه فُرضت عليه إقامة جبرية، ولكن الرجل الآن وفق التقارير الاستخباراتية ذاتها يتحرك ما بين طهران وباكستان بأريحية من دون أي تعقب من قبل السلطات الإيرانية، بل يتمتع الأخير بحماية من “الحرس الثوري” الإيراني بعدما بات مستهدفاً.
أهم الدلالات التي يُشير إليها تقرير الخارجية الأميركية أن ثمة فرعاً لتنظيم “القاعدة” في إيران، بل تمثل طهران المقر الجديد للتنظيم بعد مقتل الزعيم الثاني أيمن الظواهري في أفغانستان قبل شهور، وهو ما أحرج حركة “طالبان” التي نفت في وقت سابق أي علاقة لها بالتنظيم، على رغم أن زعيمه قتل أثناء إقامته في بيت مملوك لوزير الداخلية الأفغاني وكان ملاصقاً لمبنى رئاسة الوزراء الأفغانية! وهنا قد تكون طهران مقراً للتنظيم وقياداته الجديدة اختياراً طوعياً أو قسرياً بسبب حرج “طالبان” التي لا تزال تنشد الاعتراف الدولي بها!
يمكن القول إن قيادة تنظيم “القاعدة” قد انتقلت من أفغانستان إلى طهران، والهدف هو حماية التنظيم من القضاء عليه، فيما هدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هنا هو الحفاظ على التنظيم بعد مقتل قياداته على يد التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وهنا تستخدم طهران التنظيم في مواجهة خصمها اللدود، حيث تُعد الولايات المتحدة عدواً مشتركاً بين “القاعدة” وطهران.
إيران ليس لديها مانع من أن تضع يدها في يد التنظيمات الدينية المتطرفة ذات الخلفية السنّية طالما جمعتهما مصلحة واحدة، وبالتالي هي تستخدم هذه التنظيمات في نشر الفوضى من جانب وفي تحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط من جانب آخر، كما أن “القاعدة” ليس لديها أي مشكلة في أن تضع يدها هي الأخرى في يد إيران مقابل تحقيق مصالحها وأهدافها في قيادة ما تسميه بالجهاد العالمي!
سبق بيان الخارجية الأميركية تقرير آخر للأمم المتحدة ورد فيه أن الرأي السائد للدول الأعضاء هو أن سيف العدل أصبح زعيماً للتنظيم، وهو ما يؤكد أن المجتمع الدولي مطلع على علاقة طهران بالتنظيم الأكثر تطرفاً، ورغم ذلك لم يتحرك لردع طهران أو توجيه عقوبات عليها جراء هذا الدعم اللامتناهي لـ”القاعدة” وتنظيمات الإسلام السياسي المسلحة.
التنظيم حتى كتابة هذه السطور لم يُعلن سيف العدل زعيماً لـ”القاعدة” بصورة علانية، بما يؤكد أن الاستخبارات الإيرانية هي من تُدير التنظيم! وبالتالي هي التي أخرت هذا الإعلان، فما زال “الحرس الثوري” الإيراني هو من يضع أجندة عمليات “القاعدة”، ولعل اتهام أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم “داعش” في تسجيلات صوتية قبل ذلك، لأيمن الظواهري وتنظيمه بالعمالة لإيران يؤكد هذه العلاقة حيث طلب من “داعش” عدم مهاجمة إيران أو مصالحها، وهنا تبدو أهمية احتضان طهران للتنظيم!
هناك بعض التحليلات تذهب إلى أن تنظيم “القاعدة” ينتظر الإعلان عن زعيمه الجديد بعد أن ينتقل من إيران إلى أفغانستان، وفي الحقيقة انتقال الأخير لمقر التنظيم القديم سوف يُسبب حرجاً لحركة “طالبان”، ولعل الاتفاق يتمّ على أن يبقى سيف العدل داخل الأراضي الإيرانية من دون الإعلان عنه ولا عن مكان إقامته إلى حين.
ويبدو أن إيران هنا تُريد أن تستخدم كل أسلحتها ضد الولايات المتحدة وخصومها في المنطقة من خلال الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة سواء ذات الخلفية السنيّة أو حتى الشيعيّة، ومنها تنظيم “قاعدة الجهاد”، ولا تجد في ذلك أي غضاضة.
لا يزال المجتمع الدولي مقصراً في مواجهة التنظيمات المتطرفة والدول الداعمة له، فما أهمية وجود التحالف الدولي وضرباته ضد التنظيم وقياداته من دون مواجهة الدول التي كانت ولا تزال تدعم هذا التنظيم مثل طهران، فلا أهمية لهذه المواجهة ولا جدوى لها من دون مواجهة الدول التي تدعم هذا التنظيم وتمثل الرئة التي يتنفس من خلالها.
إذا نجحت واشنطن في تحديد مكان إقامة سيف العدل في إيران واستهدافه بصاروخ على غرار استهداف قياديي “القاعدة” أبو الخير المصري وأبو محمد المصري، من قبل، والتي أكدت طهران أنهما لا يقيمان على أراضيها ثم اعترفت بعد مقتلهما، سوف يُسبب ذلك حرجاً لطهران ويكشف ورقة التوت الأخيرة عنها.
على المجتمع الدولي أن يدعم الجهود العربية الرامية إلى حصار الإرهاب والدول الداعمة له، ومن دون ذلك سوف يظل الإرهاب وسوف تنتشر خلاياه السرطانية في كل مكان… حصاره ثم القضاء عليه هو الهدف الذي لا بد أن تدعمه القوى الدولية، وأي ترويض للإرهاب أو للدول الداعمة له سوف يُوسع من رقعة انتشاره بحيث بظل خطره قائماً يُهدد الجميع.
*نقلاً عن “النهار“