القدس تطيح «صفقة القرن»
حافظ البرغوثي
التغريدات الشهيرة المعادية للمسلمين أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نشرها قبل أيام من قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للدويلة اليهودية، وكأنه يمهد لقراره، فوضع نائبه مايك بنس خلفه وهو يلقي خطاب الاعتراف باعتبار أن نائبه هو صهيوني بامتياز ومن أشد المؤيدين لقراره، ويعتزم القيام بجولة سبق الإعلان عنها في المنطقة وتشمل الأراضي الفلسطينية، لكن الرئيس الفلسطيني أعلن أنه لن يلتقيه، وكذلك شيخ الأزهر وبطريرك الأقباط في مصر.
وكان بنس أكد في خطاب سابق له عزمه تأييد هذا الاعتراف، وكأنه يريد التأكيد على قراره بجرأة من يوغل في الخطايا ويخفي الجريمة بالجريمة فلا يفيق له ضمير. عندما قال وزيره تليرسون إنه يجب قراءة بيان ترامب بدقة قبل الحكم عليه وهو الذي بدا متحفظاً على القرار كان يقصد الغموض الذي يلفه من حيث إنه سيقول إن حدود القدس التي اعترف بها تحدد بين الطرفين مع عدم المساس بالوضع القائم في الحرم القدسي مثلها مثل حل الدولتين الذي يحدده الطرفان في المفاوضات، وكلنا نعلم أن حكومة «إسرائيل» اليمينية غير معنية بالتفاوض ولا بالحدود بل تنتظر الاعتراف مجرداً حتى تطوعه لسياستها الاستيطانية وتعلن فوراً عن مشروع لإقامة 14 ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة.
كانت «إسرائيل» في السابق قد دعت دول العالم إلى نقل سفاراتها إلى القدس كعاصمة لها في مطلع الثمانيات ونقلت دولة وحيدة سفارتها إلى القدس هي كوستاريكا، لكن مع تغير النظام فيها أعادت سنة 2006 سفارتها إلى «تل أبيب». وحتى سنة 1995 عندما أقر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ظل القرار خاضعاً للتأجيل من قبل الرؤساء الأمريكيين حيث يؤجل كل ستة أشهر، لكن الجديد والغريب أنه بينما يجري تأجيل طرح ما سمي ب«صفقة القرن» للتسوية السياسية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» بمعزل عن الجولان السوري ومعزل عن الأردن ، أيضا جرى التهديد بغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وفي الوقت ذاته جرى في مجلس النواب الأمريكي وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية وهي موقوفة منذ نهاية فترة أوباما حتى الآن، وكأنها ضغوط إضافية لتركيع الشعب الفلسطيني وإخضاعه لإملاءات مقبلة. وهناك من يخفف من حدة خطاب ترامب بالقول إنه فقط سينقل السفارة إلى القدس الغربية وإنه أعطى حكومة اليمين «الإسرائيلية» جزرة مسبقاً حتى يغريها بتنازلات لاحقة كجزء من صفقة التسوية، وحاول ترامب إحراج الرئيس الفلسطيني بدعوته إلى واشنطن عشية بيانه ربما لإغرائه بما قد يكون مستقبلاً لكنه رفض الدعوة.
لكن هذا الكلام مثله مثل بقية بيان ترامب عن حدود القدس وحل الدولتين تبقى مجردة من الفاعلية طالما تخضع لموافقة «إسرائيلية».. والغريب أيضاً التهديد الأمريكي للسلطة الفلسطينية من مغبة إلغاء اللقاء المرتقب مع نائب الرئيس الأمريكي بنس حيث أعلنت الإدارة الأمريكية أن الإلغاء ستكون له نتائج عكسية ، فما هو غير العكسي الذي بقي في الجعبة الأمريكية تجاه الفلسطينيين؟ وهل كان الهدف من الاعتراف بالقدس عاصمة يهودية هو إلغاء «صفقة القرن» الخيالية لأنها مجرد وهم دبلوماسي فقط. وحاليا فإن الهدف الصهيوني يبقى نزع القداسة عن القدس إسلامياً ومسيحياً وزرع بذور الشقاق بين الشعوب العربية في هذه المرحلة الحرجة عبر وسائط التواصل على الانترنت وتقزيم الصراع مع الاحتلال ليكون صراعاً بين الفلسطينيين واليهود فقط.
بعض السذج أو الجهلة أوقعهم الجيش الإلكتروني «الإسرائيلي» في فخ السجال عبر «النت في فلسطين» وبعض البلاد العربية حيث أغرق «الإسرائيليون» وسائل التواصل الاجتماعي بشتائم متبادلة بأسماء وجنسيات عربية مختلفة لإيقاد نار الفتنة وكلنا نعلم أن الشتامين هم قلة من المتساقطين ضخمتهم آلة أخطبوطية خفية دون أن يتصدى لها أحد من رواد مواقع التواصل ويكشف حقيقتها ومصدرها. ولعل الهبة الجماهيرية الفلسطينية والعربية لنصرة القدس بعد قرار ترامب تسقط كل الرهانات على ما يسمى «صفقة القرن» والفتنة، وتقبر المؤامرة في مهدها. فالفلسطيني الذي هب دفاعاً عن مقدساته هو الفلسطيني الذي لا ينظر إلى الأشقاء إلا نظرة المحبة والتقدير ولا ينتظر أجراً إلا من عند الله على دمه وجهاده في سبيل المقدسات. فالقدس توحد الجميع والتاريخ يشهد أن بيت المقدس كانت دوماً أهم عنصر في التوحد العربي ضد الغزاة.
hafezbargo@hotmail.com