غير مصنفة

القدس حمامة السلام

مفتاح شعيب

تتعاظم خيبة أمل الفلسطينيين من الإدارة الأمريكية الحالية مع تلويح الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة وأبدية ل «إسرائيل»، ويشاطرهم في ذات الخيبة العرب والمسلمون أجمعون، لأن إجراءً أمريكياً في هذا الاتجاه سيعني إضفاء غطاء سياسي و«شرعية» على كل مخططات الاحتلال الطامعة في سلب المدينة المقدسة من أصحابها الأصليين وتهويدها، وهو ما لن يتم القبول به وسيؤدي إلى إشعال المنطقة حقيقة لا مجازاً.
الإشارات الصادرة من البيت الأبيض لا تبشر بخير بالنسبة إلى مساعي «التسوية»، فأبسط الشروط ألا يظهر راعي العملية أي انحياز مفضوح لأي طرف، رغم أن الرعاية الأمريكية للمشروع «الإسرائيلي» لا تحتاج إلى بيان أو توضيح. فكل الإدارات الأمريكية اتبعت النهج نفسه، ولم تتجرأ إحداها على الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ولكن الإدارة الحالية تعمل على أن تكون مختلفة في الاتجاه الأسوأ. فمجرد إقدام ترامب على خطوته المعلنة، سيعني القضاء على أي خطط لبناء السلام، فضلاً عن أنه سيعرض المصالح الأمريكية للخطر ويجعل الولايات المتحدة ليست أهلاً للثقة في أن تكون شريكاً في حل أزمات المنطقة، وفي صدارتها القضية الفلسطينية التي ما زالت تنتظر الحل العادل وتأمل في دور أمريكي أقل انحيازاً للطرف «الإسرائيلي» المعتدي، وخصوصاً في ظل حكومة بنيامين نتنياهو التي تعج بالمتطرفين، وتعمل على استغلال فترة دونالد ترامب لاستكمال مخططات لم تستطع تسويقها في السابق.
سياسة الإدارة الأمريكية الحالية غير مفهومة وملأى بالمفارقات، ففي الوقت الذي تعلن فيه أن لديها «خطة سلام» وكلفت مبعوثين خاصين لترتيب العودة إلى المفاوضات، تتخذ مواقف مناقضة لما تعلن وكأنها تريد نسف العملية قبل أن تبدأ، إلا إذا كانت تستخدم هذه المناورات لفرض مزيد من الضغط على الفلسطينيين للقبول بما يراد منهم. وفي كل الأحوال ليست هذه المناورات أو الضغوط من الدبلوماسية في شيء. ولن يستطيع الشعب الفلسطيني القبول بأي مساومة حول القدس، التي ستظل حمامة سلام دائمة، لأن القدس ذات وضع خاص وتهم العرب والمسلمين في كل مكان لمكانتها الروحية والدينية، وباعتبار أنها أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين، ومن غير المسموح التفريط فيها لليهود. ولذلك فإن أي سوء تقدير لهذا الموقف ستكون له عواقب بعيدة المدى لا يمكن التنبؤ بها، فقد قالت الرئاسة الفلسطينية في بيان شديد اللهجة إن «القدس الشرقية بمقدساتها هي البداية والنهاية لأي حل ولأي مشروع ينقذ المنطقة من الدمار»، ومثل هذا التحذير لا يمكن الاستخفاف به، فالشعب الفلسطيني يوشك أن ينفد صبره، ولن يعوزه الدعم من حاضنته الواسعة النطاق، إذا انعدمت أمامه الخيارات السياسية لاستعادة حقوقه السليبة.
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط لم يتخلف عن التعليق، فقد حذر من أن اعتزام الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» سيغذي التطرف والعنف في الشرق الأوسط. وبتعبير أوضح فقد تسدد هذه الخطوة ضربة غادرة للحرب على الإرهاب، وتقول واشنطن إنها تقودها وتشارك فيها. وتجنباً لأي تطورات غير محسوبة يتوجب على العالم العربي أن تكون له كلمته، لأن التفريط في القدس سيكون نكسة مدوية تأتي في وقت يفترض فيه أن تأخذ طريقها إلى الحل العادل.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى