مقالات عامة

القدس وحق العودة جوهر القضية

إلياس سحاّب

ليس فيما يواجهنا من تدهور متواصل في المسار الدبلوماسي والسياسي الصعب لقضية فلسطين أي مفاجآت، بل إن النتائج العملية لهذا المسار كانت متوقعة ومنطقية، منذ دخول الحركة الوطنية الفلسطينية (حركة المقاومة ومرجعها منظمة التحرير الفلسطينية) النفق المظلم لاتفاقيات أوسلو، قبل مرور ربع قرن من الزمن.
فمنذ البداية كان كل شيء واضحاً، ليس في لحظة التواقيع فقط، بل في المدى الزمني المنظور لسريان مفاعيل اتفاقية أوسلو.
فبينما كان الجانب الفلسطيني يلهث للتوقيع على الاتفاقية في مقابل وهم وضع حجر الأساس الأول في عملية تأسيس دولة فلسطين الوطنية، فإن الجانب الآخر (الحركة اليهودية وحكومة إسرائيل)، كان منذ البداية قد وضع في صلب اتفاقية أوسلو (شكلاً ومضموناً) حجر الأساس للاستيلاء على كامل التراب الوطني الفلسطيني وتهويده (الضفة الغربية والقدس)، مقدمة طبيعية ومنطقية للتصفية التاريخية النهائية لقضية فلسطين، وذلك مع مرور الوقت الذي أصبح يعمل منذ ذلك الوقت بالتحديد، لصالح الأهداف «الإسرائيلية» النهائية.
ولعل أوضح فقرات اتفاقية أوسلو في قراءة هذا المصير، الفقرة التي تحيل كل القضايا الجوهرية في قضية فلسطين، وعلى رأسها قضيتا القدس وحق العودة إلى ملف الجولة النهائية من المفاوضات.
فيوم أصرّت «إسرائيل» على وضع هذا البند في صميم اتفاقية أوسلو كانت تراهن منذ البداية على عدد من السيناريوهات السلبية، لهذه الجولة النهائية من المفاوضات: التي كانت قد قررت منذ البداية كل تفاصيلها المستقبلية:
1- إما أن تسيطر على مسيرة تطور الأوضاع السياسية، مع مرور الزمن (ربع قرن حتى الآن) إلى إلغاء عملي لهذه الجولة النهائية للمفاوضات، التي علّق عليها الجانب الفلسطيني الرسمي، رهانه الأول والأخير، على المصير التاريخي النهائي لقضية فلسطين.
2- أو أن يمر من الزمن على السيطرة المطلقة التي تتيحها اتفاقية أوسلو على مسار الاتفاقية، في ظل التنازلات الفلسطينية الوطنية الجسيمة، يضطرها الاتفاق بين الجانبين، على حتمية التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية، و«إسرائيل»، التي لا تعني في الحقيقة سوى شيء واحد، كما ثبت عملياً حتى اليوم، هو التعاون الفلسطيني الكامل مع الاحتلال، في تسهيل كل ما من شأنه القضاء النهائي على كل المقومات الأساسية لقضية فلسطين.
هل هذا كلام تحليل سياسي، وافتراضات سياسية، ناجمة عن موقف متشائم من اتفاقيات أوسلو؟
قد يكون ذلك صحيحاً في البداية، أي منذ ولادة الاتفاقية، لكننا اليوم وبعد مرور ربع قرن على السريان الفعلي والعملي للاتفاقية، ماذا نجد أمامنا في أساسيات القضية الفلسطينية:
1- تبدو جلسة المفاوضات على الأمور النهائية مؤجلة إلى الأبد، بقرار «إسرائيلي» ودعم أمريكي.
2- لقد استنفدت «إسرائيل» كل ما أتاحته لها اتفاقية أوسلو، في تعميق تهويد كل مناطق الضفة الغربية، حتى أغوار الأردن، وفي تهويد مدينة القدس، خاصة في القسم الشرقي من القدس، المعروفة عالمياً باسم القدس العربية، لأن معظم سكانها في العام 1967 (عندما وقع الاحتلال) بل جميعهم كانوا من العرب.
3- ماذا بقي أمام شعب فلسطين عملياً: الاستمرار في مصارعة الاحتلال. لكن حادثة الشهيد أحمد الجرار أثبتت أن التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والسلطات «الإسرائيلية»، قد أقفلت حتى هذه النافذة الأخيرة التي بقيت مفتوحة أمام شعب فلسطين: مقاومة الاحتلال.
فإذا أضفنا إلى ذلك القرار الأمريكي الأخير باعتبار القدس عاصمة نهائية ل «إسرائيل»، فإننا نجد أن اتفاقيات أوسلو قد وصلت إلى نتائجها النهائية:
استكمال تهويد الضفة الغربية والقدس. شطب القدس نهائياً من أي احتمال لمواصلة التفاوض، كما أعلن ذلك صراحة الرئيس الأمريكي نفسه.
هذه هي النتيجة الحالية لاتفاقيات أوسلو، فماذا بقي أمام شعب فلسطين؟.
لم يبق أمامه سوى فرط كل عمارة اتفاقية أوسلو، والعودة إلى التمسك العملي (لا اللفظي) بجوهر القضية الفلسطينية، وفي المقدمة القدس وحق العودة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى