القذافي والصحّاف
محمد سعيد القبيسي
عندما توالت خطابات القذافي التلفزيونية واحداً تلو الآخر وطريقة إلقائه لتلك الخطابات والكلمات المستخدمة فيها، رجعت بي الذاكرة الى عام 2003 خلال الغزو الامريكي على العراق، وتحديداً عند تصريحات وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحّاف والذي كان يدير الحرب الإعلامية إبان الغزو الامريكي للعراق، والذي كان يُدلي بتصريحاته عن آخر المستجدات بين القوات الأمريكية والقوات العراقية.
وكان العالم كله يترقب خروج الصحاف ليسمعوا تصريحاته والتي كانت تتميز بكلمات قد تكون في معجم اللغة العربية، ولكن غير مألوفة لأذن المستمع، ومنها كلمة (العلوج) التي كان ينادي بها القوات الأمريكية واشتهرت هذه الكلمة حتى صار الكل يرددها أينما تذهب، ومن الغريب أن الرئيس الامريكي في ذلك الوقت كان يستمع الى تصريحات الصحاف، غير أن جميع المعاجم الاجنبية لم تجد أي ترجمة لهذه الكلمة غير نطقها كما هي.
الصحّاف بتصريحاته والتي كانت دائماً ترمي إلى أن:
– القوات العراقية مازالت تواصل انتصاراتها على القوات الامريكية وأنها بدأت في الانسحاب والنصر للقوات العراقية.
– القوات الامريكية تضل الطريق الى بغداد وتتوه في الصحراء.
– الليلة سنهجم عليهم بطريقة غير تقليدية وسننتصر، وغيرها من العبارات التي كادت ان تربك القوات الامريكية لأنهم يسمعون شيئاً والواقع شيء آخر، حتى إن المشاهد لهذه التصريحات أصابه الارباك ما بين تصريحات القوات الامريكية وتصريحات وزير الاعلام العراقي والتي توحي للمشاهد بأنها اكيدة.
تميّز الصحاف بوعوده بسحق القوات الامريكية ومصيرهم الذي سيذهبون اليه بعد الهزيمة وأن قوات الجيش العراقي تضرب بقوة ولن تكف حتى تنتصر.
ونحن كمتابعين للأحداث في ذلك الوقت اعتقدنا لوهلة أن قوات الجيش العراقي انتصرت على القوات الامريكية وأنهم بالفعل بدؤوا في الانسحاب الى ان وصلت الحقيقة وهي تقدم القوات الامريكية وسقوط بغداد وهزيمة الجيش العراقي، بعدها لم نر الصحاف الا مرة واحدة في مقابلة تلفزيونية بعد الاحداث بوقت طويل.
نفس السيناريو يحدث الآن مع القذافي وكثرة خروجة للإعلام بتصريحاته التي بالكاد تفهم، فبعضها لم يتعد الدقائق، وبعضها زاد على حد التحمل، وانفرد أحد تصريحات القذافي بكلمة (زنقة زنقة) والتي اشتهرت وانتشرت بشكل سريع من خلال أكثر وسائل الاتصال انتشاراً الآن وهي “البلاك بيري”، وصار الكل يرددها في كل مكان، بالإضافة الى عبارة (الى الامام الى الامام ثورة ثورة).
وأيضاً إصراره على ان الجميع يتعاطون حبوب الهلوسة، وفي تصريح آخر وجّه نداءً للرجال يحذرهم اذا لم يستطيعوا أن يقاوموا سيقوم بدوره بتشجيع النساء على التدريب وحمل السلاح لمواجة المقاومة.
القذافي تميز بطريقة لباسه حيث تبدو غير معروفة للكثير، وهي عبارة عن لبس أولف العمامة على الرأس، بالإضافة الى كمية القماش التي يلف بها جسمه او نظاراته والتي كما يبدو أنها تصنع خصيصاً لوجه القذافي، وأيضاً الاماكن التي يلقي منها تصاريحه والشخص الذي يأتي بالماء خلف القذافي في كل مرة يلقي بها خطاباته.
ولكن الفرق ما بين الصحّاف والقذاقي، فالصحاف كان يحارب ويتوعّد قوات كانت تهاجم بلده وشعبه، أما القذافي فإنه يهاجم ويحارب شعبه ويدمر بلده ليحافظ على كرسيه، ويهددهم بأنه سيسحقهم حتى آخر قطرة دم فهل يعقل ذلك.
هل نسي القذافي أنه بمواجهة شعبه وعلى ارضه؟ وهل نسي أن هذا الشعب الذي يحاربه ويقتله هم الدعامة الاساسية التي قام عليها حكمه؟ هل يعلم أنه كما يقال يهدم بيته بيده؟ وماذا بعد القتل والدمار؟ هل فكّر في النتائج وردة فعل الشعب والمجتمع الدولي الذي يحيط به؟ أو هل مازال يعتقد بأنه في زمن الثورة التي قام بها قبل 41 سنة؟
أسئلة لابد أن يسأل القذافي بها نفسه لتتضح أمامه الصور الحقيقية وليتخذ قراراً يكون فيه مصلحة الوطن والشعب حتى لو كان التنحي عن قيادة ليبيا إذا كان يهمه ذلك.