القلق والتقنية
شيماء المرزوقي
دون أدنى شك، التطور التقني والحضاري الذي تشهده وتعيشه البشرية كان مفيداً في مختلف تفاصيل حياة الناس، وتحقق سبق غير متوقع في مجالات علمية واسعة من الطب والفيزياء والكيمياء، وأيضاً في مجالات علم الفضاء وسبر أغوار النجوم والكواكب والروبوتات وغيرها الكثير، ومع مثل هذه القفزات الحضارية المتواصلة يقع الإنسان في زاوية من الضغوط غير المسبوقة، وتبعاً لمثل هذه الحالة فإن الأمراض التي يعاني منها الإنسان نفسه تطورت، وليست الأمراض العضوية الجسدية وحسب، بل هناك أشكال جديدة من الأمراض النفسية والتي بدأ العلماء في مجال العلوم النفسية رصدها.
مواضيع مثل الكآبة والقلق والرهاب وغيرها الكثير، معروفة وعلاجاتها أيضاً معروفة، ولكن اليوم نشهد دخول أصناف وأشكال جديدة من هذه الأمراض مسبباتها مختلفة عن التي اعتاد عليها الإنسان، والتي على ضوئها وجدت العلاجات اللازمة. على سبيل المثال القلق الذي يعانيه الإنسان اليوم لم يعد من مصدر حياتي واحد أو أنه نتيجة لظروف محددة، بل إن القلق ودواعيه متنوعة ومختلفة ومتعددة، ومع تزايد التقنيات وتنامي التواصل بين مختلف الأمم والمجتمعات والسرعة المهولة في نقل المعلومات تزايد تبعاً لذلك القلق، فمعدل العلاقات البينية بل والاجتماعية بصفة عامة التي تنهار أيضاً سريع وأيضاً المعدل لمختلف المشاكل التي تواجه إنسان اليوم سريع، في حدوثها وفي نتائجها وما يترتب عليها.
ومع كل هذه الموجات من التبدلات والتغييرات يجد الإنسان أنه يرزح تحت وابل من الضغوط الحياتية المتنوعة، والتي ينمو تبعاً لها، حالة مستمرة من القلق الذي يقود ويؤدي إلى المرض النفسي، القلق الذي عرفناه منذ نعومة أظفارنا والذي يوجد منا من تعايش معه، بل كان مفيداً للبعض ودافعاً للنجاح والتفوق، اليوم يسقط بسببه الكثيرون، بل إن أسراً بأكملها تنهار نتيجة لسقوط الأب ورب هذه الأسرة في أتون حفر مختلفة من القلق الذي قاده نحو المرض وشل تفكيره ومنعه من العمل والإنتاج. كل واحد منا وأمام مثل هذا التحدي الحياتي يحتاج للإرشاد وللنصيحة النفسية، يحتاج لدروس في كيفية التغلب على كل هذه الهموم والعقبات التي تأتي كعاصفة هوجاء لا ترحم.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com