غير مصنفة

القواعد العسكرية الأمريكية تلوّث البيئة

باتريسيا هاينس*

ينتشر الجيش الأمريكي الذي يتصرف كشرطي عالمي، في قواعد عسكرية بعشرات البلدان. وهذه القواعد تحولت إلى مكبات نفايات سمية تلوث البيئة، وتتسبب بأمراض خطيرة لكثيرين من الناس.
لديّ ابن أخ خدم في الجيش الأمريكي لأكثر من 20 سنة كضابط في كوريا الجنوبية، وهو الآن عسكري متقاعد، ولكنه يعمل كمتعاقد مدني مع الجيش في قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان. وقد كانت لنا مناقشة وحيدة، بشأن التلوث الذي خلّفه الجيش الأمريكي في كوريا الجنوبية.
وهذان البلدان الأسيويان، المختلفان جداً من حيث التطور، والاقتصاد والاستقرار، لديهما شيء مشترك: قواعد عسكرية أمريكية تنشر تلوثاً خطيراً في محيطها من دون أن يتحمل بلدنا مسؤولية مالية تذكر عن ذلك. والقاعدة، أو بالأحرى القانون الذي يلزم المتسبب بتلوث أن يدفع تعويضاً، لا ينطبق على جيش الولايات المتحدة في الخارج. كما أن العاملين المدنيين ومعظم الجنود الأمريكيين في هذه القواعد، ليست لديهم أي فرصة للحصول على تعويض طبي عن أمراض تعرضوا لها؛ نتيجة للتلوث الذي يتسبب به الجيش الأمريكي.
ولننظر في أمر آبار الحرق التي يستخدمها الجيش في ممارسة تعتبر همجية حقاً. ففي اندفاع وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى الحرب، تجاهلت حتى أنظمتها الخاصة بالبيئة، ووافقت على استخدام آبار الحرق في العراء. وهذه الآبار هي عملياً، نيران سمية هائلة تستخدم في مئات القواعد الأمريكية في أفغانستان، والشرق الأوسط وأماكن أخرى، عبر العالم. وقد استخدمت بكثافة في العراق. وآبار الحرق هذه تقام في وسط أقسام السكن والعمل، وقاعات الطعام في المنشآت العسكرية، من دون اتخاذ أي إجراءات لمنع أو الحد من التلوث.
وكل ذلك تم توثيقه في تحقيق أجراه مكتب المحاسبة الحكومي (وكالة تابعة للكونجرس الأمريكي وتشمل مهامها تدقيق الحسابات وتقييم الخدمات).
وفي 2011، تم تسريب مذكرة للجيش حذرت من الأخطار الصحية لآبار الحرق، بما فيها تضرر الرئتين، وتفاقم أمراض القلب، بما في ذلك الداء الرئوي المسد المزمن، والربو، وتصلّب الشرايين، وأمراض قلبية ورئوية أخرى. وقلائل فقط من المحاربين القدماء الذين تعرضوا للمواد السمية، التي تنفثها آبار الحرق هذه، حصلوا على تعويضات عن تعرضهم لأمراض، غير أن المواطنين العراقيين والأفغان، ومواطنين في بلدان أخرى، الذين يقيمون في جوار هذه القواعد العسكرية، وكذلك المتعاقدين المدنيين والعسكريين مع الجيش، لن يحصلوا أبداً على تعويضات، مثلهم مثل كثيرين آخرين من المدنيين عبر العالم.
والحروب قد تنتهي، والقواعد العسكرية قد تغلق، ولكن مخلّفاتنا السمية في القواعد العسكرية تبقى تركة سامة لأجيال المستقبل.
ولننظر في قضية طمر 250 برميلاً من مبيدات سمية، ومئات الأطنان من مواد كيماوية خطرة في معسكر كارول للجيش الأمريكي في كوريا الجنوبية، وهي القضية التي افتضح أمرها من خلال تسرب شهادات قضائية، أدلى بها جنود أمريكيون سابقون، خلال تحقيق قضائي في مايو/‏أيار 2011.
وقال العسكري المتقاعد ستيف هاوس: «عملياً كنا ندفن نفاياتنا في أفنيتهم». وكشف التحقيق أيضاً النقاب عن تحلل براميل مواد سمية، طمرت في قواعد سابقة وتسببت بتلوث تربة ومياه جوفية.
ونتائج هذا التحقيق أُخفيت عن حكومة كوريا الجنوبية، إلى أن تسربت شهادات محاربين أمريكيين قدماء إلى الصحافة في 2011.
إن ضرائبنا تموّل ما لا يقل عن 800 قاعدة عسكرية في الخارج، وهناك مئات آلاف الجنود والمتعاقدين في قواعد موجودة في أكثر من 79 بلداً.
ونحن لا نلوث فقط بيئات بصورة خطيرة عبر العالم؛ نتيجة لدورنا كشرطي عالمي، بل نحن نفعل ذلك أيضاً مع إهمال احتياجات المواطنين الأمريكيين.

*محامية أمريكية ترأست سابقاً نقابة المحامين في نيويورك.
*موقع "زي نت"


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى