الكرملين تحت إضاءة ساطعة
خيري منصور
للوهلة الأولى، يبدو للمراقب حتى لو كان محايداً أن موسكو بدأت تشغل الناس وتملأ الدنيا بعد سبات جليدي دام عقوداً سواء كان ذلك من خلال الإعلان عن أسلحة متطورة أو من خلال استراتيجيات سياسية تعيد للدُّبِ الحيوية.
وثمة تسارع ملحوظ في كل ما يصدر عن موسكو من مواقف، وكأنها تريد أن تقول للعالم وبالتحديد للعدو الكلاسيكي أنها موجودة، وأن ما أصابها من انحسار ووهن وتهميش نسبي قد أصبح وراءها، وحين تجري مقارنات متعسفة بين روسيا والماضي الإمبراطوري سواء كان قيصرياً أو سُوفييتياً، فإن ما يسقط سهواً أو بتعمد هو الحلقة الأيديولوجية، فروسيا الآن ليست عاصمة الماركسية في عالمنا، وليست الحاضنة الشيوعية التي تقيم علاقاتها مع الآخرين في ضوء الموقف الفكري فقط، إنها الآن براغماتية بأكثر من مقياس، ولا تقدم لمن يوصفون بأنهم حلفاؤها أو أصدقاؤها الجدد ما يُسمى في أدبيات الرأسمالية وجبة غداء مجانية. لهذا فإن نهوض روسيا لا يعني بالضرورة استعادة كيانية شبه إمبراطورية عاشت ما يقارب السبعين عاماً بين ثورة أكتوبر عام 1917 وسقوط سور برلين أو نهاية الحرب الباردة لغير صالحها!
وهناك ظاهرة لافتة من منظور سايكولوجي هي التركيز الإعلامي على التزامن بين شيخوخة نظام سياسي ما، وبين شيخوخة الزعيم وغالباً ما يكون المثال هو روسيا يلتسين الذي شاهده العالم يترنح في أحد المطارات، في الوقت الذي كانت فيه روسيا أيضاً تترنح تحت عبء أزمات سياسية واقتصادية وأيديولوجية أيضاً.
وربما لهذا السبب وانسجاماً مع هذا المنظور السايكولوجي تنشر عبر الميديا مشاهد استعراضية للرئيس بوتين، يظهر من خلالها فتياً ومعافى وفارساً ولاعب كاراتيه!
إن ما يضاعف من الإلحاح على قيامة الدُّب بعد سبات هو أقرب إلى تسديد مديونية وتضميد جرح في نرجسية شبه إمبراطورية!